السبت، 8 أكتوبر 2016

حوار مع طاولة

نجح أخيرا في اقناعها بقبول دعوته لشرب فنجان من القهوة، كان فرحا بموافقتها، تماما كما تفرح أشجار الصبار في الصحراء ببعض قطرات الندى التي تجمعت خلال الليل، فهو لم يكن يتوقع ابدا ان توافق حتى على الحديث معه في الممر، ولذلك فأن موافقتها على شرب فنجان القهوة كانت أكثر مما تمنى، وكل ما أراد حينها ان يمضي معها بعض الدقائق، عله يتجرأ ويخبرها انه يريد ان تمتد هذه الدقائق لتصبح العمر كله.


الطاولة التي حجزها كانت صغيرة جدا، ولكنه كان يتمنى ان تكون أصغر، تفحص الطاولة جيدا، وكأنه يتفحص ارض معركة سيخوضها مع القدر، الاف الأفكار والاسئلة تجمهرت داخله خلال تلك الدقائق التي سبقت حضورها، هل يقبل يدها عند الوصول ام يكتفي بإزاحة المقعد قليلا كنوع من الاتيكيت؟ هل يطلب لها القهوة بثقة ام يسألها عما تفضله ويعطيها مساحتها في الاختيار؟ هل يدخن اثناء الحديث، ام ان ذلك قد يزعجها؟ طيب، ماذا لو كانت مدخنة، كيف سيعرف ذلك؟ وهل من اللائق ان يقدم لها سيجارة؟ هل يتحدث عن نفسه ام يستمع لها؟ هل ستأتي لتتحدث عن نفسها ام انها ترغب في سماع ما لديه؟

استمر في النظر الى الطاولة، وبين لحظة وأخرى كان ينظر الى المدخل ينتظرها، ولكنه وبسرعة كان يعيد عينيه الى الطاولة، وكأنه يريد ان يحمل هذه الطاولة مسؤولية ما سيحدث خلال الدقائق القادمة، وعاد للتساؤل مرة أخرى، هل يجب ان يضع يديه على الطاولة ام يضعهما الى جانبه ام يكتفهما على صدره؟ كيف ستقرأ هي موقع اليدين؟ هل ستوقعه هذه الطاولة في مشكلة؟ يا الله لو لم تكن طاولة مستديرة، لربما أصبح الأمر أسهل، ولكنها مستديرة جدا، لا بداية لها ولا نهاية، فأين سيبدأ وأين سينتهي؟

اخذ يهز الطاولة قليلا ليتأكد انها ثابته، وانها لن توقعه في مأزق او موقف محرج، كأن يقع فنجان القهوة بسبب اهتزاز الطاولة، ماذا سيفعل ان حدث ذلك، سيبتسم بالتأكيد ويقول ان "دلق الهوة خير" ومن ثم سيحاول ان يزيل اثار القهوة عن الطاولة، سيرتبك بالتأكيد، وربما ترتبك هي، وسيلعن في داخله هذه الطاولة المهزوزة، ولحسن حظه كانت الطاولة ثابتة تماما، ومع ارتفاع منسوب ثقته في الطاولة بدأ يشك في ثبات يديه، فربما تهتزان وتوقعان الفنجان، ويعود للمشهد المرتبك مرة أخرى.

فجأة انتبه الى وجود قائمة الطعام والشراب في مركز الطاولة، مد يده اليه واخذ يقرأ ما في داخله، أنواع وأنواع من القهوة، وكأنه في حاجة الى مزيد من الحيرة والارتباك، هل يطلب قهوة عربية بدون سكر ليعطي انطباعا بشرقيته ومستوى ثقافته كما تصف الأفلام المثقفين دائما؟ ام يطلب قهوة غربية تدل على انه انسان غير تقليدي؟ لماذا يوجد الكثير من أنواع القهوة؟ الم يكن اسهل ان يتفق العالم على نوع واحد من القهوة ويختلفوا فقط على مقدار السكر فيها؟ أعاد القائمة الى مكانها على الطاولة وقرر ان يترك الأمر للصدفة، او ربما يقرر بعد ان تقرر هي، وبهذا يمكنه ان يجد مدخلا للحديث عن نوع القهوة التي تحبها.


رفع رأسه مرة أخرى نحو المدخل، لقد وصلت، وها هي تقترب، ترتدي قبعة من لونين، اسود وابيض، وتتقدم نحوه ببطء وثبات، وهو يحس ان الطاولة تكبر وتكبر، وانها تتحول الى صحراء عليه ان يعبرها سباحة، اقتربت منه، واقترب معها الارتباك اكثر وأكثر، وبدأ في الوقوف تدريجيا لاستقبالها، وابتسم، وبدأت الدقائق التي يريدها ان تصبح العمر كله. 

في فهم العلمانية



يستخدم جزء لا بأس به من الناس كلمة "علماني" للإشارة إلى شخص ما بأنه إنسان غير سوي أخلاقيا ودينيا. ويتم وضع الكلمة، في كثير من الحالات، في سياق سلبي، وإظهار العلمانية بأنها فكر غربي صهيوني ماسوني، هدفه الأساسي معاداة الدين والترويج للانحلال الأخلاقي وطمس هوية الأمة.
لعله من المفيد، وفي إطار الحوار الإيجابي، أن نحاول توضيح مفهوم العلمانية بشكل بسيط بعيد عن المغالطات التي تم ترويجها على مدى عقود، مع التأكيد على أن هذا المفهوم واضح في أغلب مناطق العالم باستثناء منطقتنا. وهو أمر ليس بالغريب، بالنظر إلى الحالة الثقافية والسياسية التي تسيطر على المنطقة.
ببساطة شديدة، فإن العلمانية ليست فكرا من حيث الأساس؛ أي إنها ليست أيديولوجيا، كما أنها ليست دينا. العلمانية هي جزء من نظام إدارة الدولة، وهو نظام مبني، ببساطة، على حماية حق الأفراد والمجموعات داخل المجتمع في اعتناق وممارسة أفكارهم وأيديولوجياتهم وأديانهم طالما كان ذلك في إطار سلمي غير عنيف. وهذا الحق مبني على أساس مبدأ الحق في الاعتقاد، وهو حق تجب حمايته من قبل الدولة. وبالتالي، فعلى من يرى في العلمانية تهديدا للدين أن يعرف تماما أن العلمانية تشكل الضمانة لحق الناس في التدين، وممارسة عباداتهم وشعائرهم الدينية بحرية.
ما يتحدث به البعض بأن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، هو فهم مبسط وغير صحيح. فالمقصود أساسا هو فصل الدين والمعتقد عن التشريع الذي يخضع عادة للتجاذبات السياسية. وفي المجتمعات متعددة الأديان والمذاهب، قد يؤدي الاعتماد على الدين وحده كقاعدة للتشريع إلى نشوء صراعات بين أتباع الديانات المختلفة أو المذاهب المختلفة. فالنصوص الدينية من وجهة نظر أتباعها، هي نصوص مقدسة وغير قابلة للنقاش الجذري، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتجاذبات السياسية. وكما نعلم، فإن التشريع لا يمكن أن يتم إلا إذا خضع النص التشريعي للنقاش والحوار والرفض والقبول والتفاوض، وهو أمر غير ممكن في حالة النصوص الدينية. وفي الوقت ذاته، تؤكد العلمانية على احترام الأديان وحق الناس في اعتناقها وممارستها، وتضمن لهم هذا الحق وتحميه. 
العلمانية لا تأتي منعزلة، فحتى تؤتي ثمارها في إدارة الدولة، يجب أن تكون مرتبطة بالديمقراطية التي تضمن للناس؛ أفرادا ومجموعات، حق المشاركة في إدارة الدولة من خلال ممثلين منتخبين. وهؤلاء يقومون بسن التشريعات التي تراعي مصلحة الدولة والمجتمع والأفراد، في إطار سياسي يسمح بالتعددية والاختلاف، ويسمح كذلك للناس بإعادة تشكيل سلطاتهم التشريعية والتنفيذية بما يتوافق مع مصالحهم واحتياجاتهم. 
لا يوجد مجتمع في العالم يتشكل من لون واحد، فالتنوع والتعدد أساس المجتمعات. والعلاقة بين مكونات المجتمع وشبكة مصالحهم يمكن أن تتحول إلى صراع إذا حاول مكون ما في هذا المجتمع السيطرة على باقي المكونات وفرض أفكاره عليهم. ولذلك، تأتي العلمانية هنا لتضمن حق التنوع، وتأتي الديمقراطية لتضمن حق المكونات المختلفة للمجتمع في إدارة هذا المجتمع.

المرأة والانتخابات مرة أخرى



انتهت الفترة المخصصة لتسجيل المرشحين، ودخلنا الآن في مرحلة الاعتراض والطعون. وللأسف، وكما كان متوقعا، انحصرت مشاركة المرأة الأردنية بهذه الانتخابات في حدودها الدنيا. فعلى الرغم من زيادة عدد المرشحات بأربعة وأربعين سيدة مقارنة بالانتخابات الماضية، وفقا لأرقام أعلنها مراقبون كما الهيئة المستقلة للانتخاب، إلا أن النسبة الإجمالية للسيدات اللاتي ترشحن لم تتجاوز 20 % من إجمالي عدد المرشحين. فنحن نتحدث عن 259 سيدة سجلن أنفسهن كمرشحات لانتخابات مجلس النواب الثامن عشر، أي بمعدل سيدة لكل قائمة تقريبا، مع التأكيد على أن هناك قوائم خلت تماما من وجود مرشحات. وهذا يعني أن النظر إلى ترشح المرأة في هذه الانتخابات بقي محصورا في أنهن مرشحات على مقاعد "الكوتا" النسائية. وتؤكد الدعاية الانتخابية لعدد من القوائم هذا الأمر؛ إذ نجد اسم السيدة في لوحات القائمة وقد كتب إلى جانب اسمها أنها مرشحة عن مقعد "الكوتا" النسائية. 
تخيلوا معي أن أعلى عدد للنساء المرشحات كان في دائرة الزرقاء الأولى. هذا العدد بلغ 21 سيدة، وبما نسبته 21 % فقط من إجمالي المرشحين. وقد تم تسجيل هذا العدد نتيجة وجود قائمة نسائية كاملة. ولو لم تكن هذه القائمة موجودة، فكم سيبلغ عدد السيدات المرشحات؟ فيما سجلت معان العدد الأقل بست مرشحات فقط. 
على الرغم من أن النساء يمثلن حوالي 52 % من إجمالي من يحق لهم الانتخاب في الأردن، إلا أن هذه النسبة لم تنعكس على أرض الواقع عند الترشح، فسيطر الرجال -كما العادة- على المشهد الانتخابي، سواء من حيث العدد أو حتى من حيث ما يمكن أن نسميه ترؤس وقيادة القوائم. واكتفت معظم المرشحات بأدوار ثانوية بلغت حد قبول بعضهن أن يكن مجرد "حشوة" انتخابية. 
أنا شبه متأكد أنه لو لم ينص قانون الانتخاب على تخصيص خمسة عشر مقعدا للسيدات، فإننا قد نجد أنفسنا أمام انتخابات شبه خالية من العنصر النسائي. فسيطرة الرجال على المشهد الانتخابي امتداد لسيطرتهم على المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، حيث على المرأة أن تناضل بكل ما أوتيت من قوة لتضمن لنفسها دورا حتى لو كان بسيطا أو ثانويا. ولذلك نقول، مرة أخرى، إن وجود "الكوتا" النسائية ضمانة لوجود تمثيل نسائي في المجلس، حتى لو كان محدودا.
بكل الأحوال، علينا إدراك أنه لا يوجد في القانون ما يمنع أن تفوز المرشحات بجميع مقاعد مجلس النواب المائة والثلاثين، وأن "الكوتا" النسائية تضمن حدا أدنى لتمثيل السيدات من خلال تخصيص خمسة عشر مقعدا، وأن المرشحة بإمكانها المنافسة على المقاعد العادية وأن تفوز بها، فمشاركتها ليست محصورة في المقاعد المخصصة للنساء. وعلى السيدات المرشحات أن يفكرن جديا بهذا الأمر، وأن يعملن من أجل الفوز تنافسيا، فلا تكون آمالهن محدودة في خمسة عشر مقعدا فقط.

ضمانات إجراء انتخابات نزيهة

الهيئة المستقلة للانتخاب مسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، لكنها ليست مسؤولة عن النتائج وعن خيارات الناخبين والمرشحين. وما هو مطلوب منها أن تضع الإجراءات كافة وتوفر الضمانات لإجراء انتخابات نزيهة بعيدة عن التشكيك والطعن والاتهام بالتلاعب والتزوير.
بكل موضوعية، وضعت "الهيئة"، من خلال التعليمات التنفيذية، آليات جيدة لضمان نزاهة الإجراءات في يوم الاقتراع. ومعظم هذه الضمانات جاء إما استجابة من "الهيئة" للتوصيات التي قدمتها فرق الرقابة المحلية المستقلة، أو للتعامل مع الأسئلة والمخاوف التي يتداولها الناس مع كل انتخابات.
على سبيل المثال، فإن التعليمات التي تنص على عدم نقل الصناديق من غرفة الاقتراع بعد إجراء العد، جاء ردا على المخاوف المتعلقة بإمكانية التلاعب بهذه الصناديق أثناء نقلها من مكان لآخر. وقد سمعنا دائما عن قصص من هذا النوع، يتحدث فيها الناس عن تبديل صناديق كاملة أثناء النقل، لتحويل النتيجة لصالح مرشح معين أو ضد مرشح معين. لذلك، فإن قرار عدم نقل الصناديق وإبقاءها في غرفة الاقتراع بعد عدّ الأوراق، سينهي تماما أي حديث عن التلاعب بالصناديق أثناء النقل.
إجراء آخر لا يقل أهمية، هو عد أوراق الاقتراع أمام الكاميرا. إذ جرت العادة أن تسري إشاعات حول عدم قراءة الاسم الصحيح الوارد في ورقة الاقتراع، وتجيير الورقة من مرشح لآخر. في هذه الانتخابات، سيتم وضع كاميرا خلف الشخص الذي سيقوم بقراءة الأسماء، بحيث يتمكن جميع الموجودين في القاعة من رؤية الأسماء المؤشر عليها في الورقة عبر شاشة موجودة في القاعة، وهو الأمر الذي سينفي تماما أي احتمال تلاعب بالأسماء. 
بالطبع، هناك إجراءات وضمانات أخرى، منها الحبر الخاص الذي ستكون مواصفاته هذه المرة أفضل من ذلك الذي تم استخدامه في انتخابات 2013. وبالتالي، لن يكون ممكنا مسح الحبر أو التخلص منه إلا بعد أيام من يوم الاقتراع. ولا ننسى كذلك العلامات المائية في ورقة الاقتراع، والتي سيبلغ عددها تسع عشرة علامة، وفقا لما صرحت به "الهيئة". وهو ما يعني عدم إمكانية تزوير ورقة الاقتراع. وغير ذلك من الإجراءات التي تحاول "الهيئة" من خلالها القول للناس إن ما سيدخل للصندوق هو تماما ما سيخرج منه، من دون زيادة أو نقصان أو تغيير. 
ومن المهم أيضا أن أشير إلى الدور المهم الذي ستقوم به فرق الرقابة المحلية، والتي تملك من الخبرة المهنية والفنية الشيء الكثير، مما يمكنها من مراقبة مراحل العملية الانتخابية كافة باحترافية، وتزويد "الهيئة" والإعلام والمواطنين وكل المهتمين ببيانات وملاحظات دقيقة وموضوعية، تعزز من الثقة في العملية الانتخابية، وتحدّ من أي محاولات للتلاعب بها. 
بقي أن أشير إلى الدور الذي يجب أن يقوم به المرشحون والناخبون في حماية العملية الانتخابية من أي خروقات ممكنة، وذلك من خلال رفض أي محاولات لبيع وشراء الأصوات، وعدم الرضوخ لأي ضغوضات مهما كان نوعها؛ وأن يمارس الناخب حقه في الاقتراع وفقا لقناعته الشخصية من دون أي تأثير.

مرشحات على "الكوتا"



نسمع، بين فترة وأخرى، أن السيدة الفلانية قررت خوض الانتخابات النيابية على المقاعد المخصصة للكوتا النسائية؛ أو أن قائمة مفترضة تسمي مرشحيها، وعند الوصول إلى اسم السيدة يتم الإعلان أنها مرشحة القائمة للكوتا النسائية. والحقيقة أن هذا الأمر يحمل مغالطات قانونية من حيث المبدأ، كما أنه يحمل نظرة فيها نوع من التمييز ضد المرشحات.
من حيث المبدأ، لا يوجد في القانون ما ينص على الترشح على "الكوتا" إلا فيما يتعلق بالمقاعد المخصصة للمواطنين المسيحيين والشركس والشيشان والبدو، فهؤلاء فقط لا يمكنهم الترشح ودخول الانتخابات إلا للمنافسة على هذه المقاعد. أما المرأة، فهي بالأساس مرشحة على مقاعد التنافس مثلها مثل أي مرشح آخر، ويفترض أن تخوض الانتخابات لتنافس على الفوز بأحد المقاعد التي تحصل عليها قائمتها، فيما مقاعد "الكوتا" النسائية مخصصة للنساء اللواتي لم يحالفهن الحظ بالفوز بمقعد تنافسي.
فعليا، الأمر مستفز. لماذا يتم النظر إلى المرأة وكأنها تكملة عدد، أو أن حقها محصور فقط في خمسة عشر مقعدا؟ بل والأكثر استفزازا إعلان بعض المرشحات أنفسهن أنهن يخضن الانتخابات على أساس "الكوتا" وليس على أساس التنافس؛ لماذا تقبل المرأة بالحصة الأقل والحد الأدنى، مع أن القانون يعطيها الفرصة الكاملة للمنافسة؟
النساء هن الأغلبية في الهيئة الناخبة، بنسبة تبلغ حوالي 53 % من إجمالي الناخبين المسجلين في الكشوفات. ولو أردنا أن نطبق نسبة تمثيل عادلة في مجلس النواب، فيفترض أن يكون أكثر من نصف أعضاء المجلس من النساء. وبهذه النسبة، لا يمكن اعتبار النساء، بأي حال من الأحوال، عنصرا ثانويا في العملية الانتخابية والسياسية، ولا يمكن النظر إليهن بأنهن أقلية ينتظرن عطفنا لمنحهن فرصة المشاركة، فهذا حق صريح لا لبس فيه.
نعلم جميعا أن السبب في تخصيص مقاعد للنساء مرتبط بالعوائق المجتمعية التي تمنع النساء من المشاركة في الحياة العامة، وبالممارسات التي تفضل إعطاء الصوت للمرشح الرجل حتى لو كانت المرأة أكثر كفاءة. ولذلك، وخوفا من الغياب الكامل للنساء عن المجلس، تم وضع حد أدنى لتمثيلهن. وأكرر: حد أدنى؛ أي إن وجود النساء في المجلس يجب أن يبدأ من خمسة عشر مقعدا، ويمكنه أن يصل إلى كامل عدد المقاعد المائة والثلاثين، فلا يوجد في القانون ما يمنع ذلك. 
سيدتي، لا تقبلي أن تكوني مجرد اسم إضافي في قائمة،؛ ولا تقبلي أن تكوني مجرد لاعب احتياط ينتظر موافقة مدرب غير مقتنع بإمكاناته للمشاركة في المباراة لدقائق قليلة؛ ولا تقبلي أن يدعوك أحدهم إلى القائمة إن لم تشاركي في تشكيلها ورسم خططها الانتخابية كعضو أصيل. لا تكوني أمرا ثانويا يا سيدتي.

تأجيل الانتخابات



تابعنا خلال الأيام الماضية، وخاصة على صفحات التواصل الاجتماعي، حديثا لا أساس واقعيا له حول تأجيل الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في العشرين من أيلول (سبتمبر) المقبل. وقد سارع رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب إلى نفي ذلك مباشرة. وعلينا إدراك أن الدستور يلزم بإجراء الانتخابات النيابية في موعد أقصاه أربعة أشهر من تاريخ حل مجلس النواب، وإذا لم تجر هذه الانتخابات يعود المجلس المنحل للانعقاد. وهذا يعني بالتأكيد أنه لا يمكن تأجيل هذه الانتخابات.
لكن هذا الحديث عن التأجيل لا علاقة له بالفترات الدستورية، ولا حتى بقدرة "الهيئة" على إدارة العملية الانتخابية. فأساس هذا الحديث، كما يتضح لأي متابع، هو تلك الفوضى الحاصلة في تشكيل القوائم الانتخابية. إذ حتى الآن، فإن أغلب من أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات لم يتمكنوا من الاتفاق على تشكيل قوائم واضحة المعالم، كما ما يزال الكثيرون منهم يبحثون عن قائمة ينضمون إليها، في ظل إصرار البعض على التعامل مع القانون بعقلية "الصوت الواحد" القديمة، وعدم قدرة الأحزاب على فعل ما يفترض أن تفعله، وهو تشكيل قوائم انتخابية. 
نعلم جيدا أن قانون الانتخاب جديد نوعا ما، وأن إرث الفردية التي سيطرت على حياتنا السياسية بسبب قانون "الصوت الواحد"، ما يزال يمنع الكثيرين من التفكير بشكل جماعي؛ فما تزال عقلية الترشح الفردي هي الطاغية عند الكثيرين، وما تزال فكرة الزعامة مسيطرة على عقول عدد لا بأس به من المرشحين المحتملين. 
كما نعلم أيضا أن هناك عدم ثقة بين المرشحين فيما يتعلق بتبادل الأصوات أو حجبها داخل القائمة الواحدة. وهذا التخوف هو نتيجة غياب برامج سياسية مشتركة وأرضيات يمكن لمرشحين من الاتجاه نفسه أن يقفوا عليها سويا. بل إن الأمر يصبح غريبا عندما يكون هذا التخوف موجودا لدى مرشحين حزبيين يفترض أن لديهم برامج مشتركة، على الأقل في إطارها العام. 
بكل الأحوال، لا يمكن أن نؤجل الانتخابات لأن من ينوون الترشح لم يحسموا أمورهم فيما يتعلق بتشكيل القوائم الانتخابية. فالمشكلة ليست في موعد الانتخاب، وليست كذلك في آلية التشكيل التي نص عليها القانون؛ بل المشكلة -بكل صراحة- تكمن في ممارسات الأشخاص والعقلية الفردية التي تسيطر عليهم، والتي تمنعهم من التحالف على أساس برامجي. 
قلنا سابقا إننا قد لا نرى التغيير المطلوب في هذه الدورة الانتخابية. ويبدو فعلا أن الأمر أصعب مما كنا نتوقع. مع ذلك، علينا جميعا المضي قدما في هذه التجربة، لترسيخ فكرة العمل السياسي الجماعي القائم على مبدأ التحالفات البرامجية والسياسية. وحتى لو لم نر في هذه الدورة الانتخابية قوائم برامجية، فإننا لا بد وأن نراها في الدورة التالية، شريطة أن يتم إصلاح باقي المنظومة التشريعية ذات العلاقة بالعمل السياسي، وعلى رأس ذلك النظام الداخلي لمجلس النواب، بما يسمح بتشكيل كتل حقيقية وفاعلة تحت القبة.

استعصاء تشكيل القوائم الانتخابية



قبل شهر من الموعد الرسمي لتسجيل قوائم المرشحين لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، يبدو أننا نعيش حالة واضحة من الارتباك بين أوساط المرشحين المحتملين؛ تتمثل في استعصاء تشكيل قوائم انتخابية. هذه الحالة يمكن تعميمها على أغلب الراغبين في خوض السباق نحو "العبدلي"، باستثناء حالات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من المرشحين المحتملين الذين تمكنوا فعلا من تنظيم قوائمهم.
لماذا نجد أنفسنا أمام هذه الحالة؟ باعتقادي أن السبب الأول يكمن في عدم وضوح فكرة القوائم لدى عدد لا بأس به من المرشحين الذين ما تزال تسيطر عليهم عقلية الترشح الفردي التي جرت على أساساها الانتخابات كافة منذ العام 1989، ولم يتمكنوا من الخروج من هذا الإطار. 
ورغم محاولات الهيئة المستقلة للانتخاب، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، لتوضيح فكرة القوائم، فإنه من الملاحظ أن حداثة التجربة تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي الذي تسوده حالة من التشتت أساسا. وبالتالي، ما يزال العديد من المرشحين المحتملين يتعاملون مع الحدث الانتخابي المرتقب كما كانوا يتعاملون مع أي انتخابات سابقة. 
السبب الثاني، هو التخوف الموجود لدى عدد من المرشحين من عدم قدرتهم على ضمان حصولهم على أصوات من شركائهم في القوائم، أو ما يسمى في الشارع الانتخابي "حجب الأصوات" بين المرشحين في القائمة الواحدة. هذا التخوف هو نتيجة طبيعية لعقود من ممارسة الفردية السياسية التي عززتها الأنظمة الانتخابية المتلاحقة منذ العام 1993، والتي اعتمدت نظام "الصوت الواحد" والدوائر الصغيرة ذات المقاعد المتعددة. لذلك، يبحث كل مرشح عن شركاء "مضمونين"، ولديهم الاستعداد لدعم شركائهم في القائمة. 
نتيجة هذا التخوف ونتيجة الخوف من آلية احتساب عدد المقاعد، يسعى بعض المرشحين الأقوياء إلى تشكيل قوائم لا تحتوي على شركاء أصحاب وزن انتخابي قوي؛ أي إن البعض يريد فعليا خوض الانتخابات منفردا، لكن من خلال قائمة لا تحتوي على منافسين. وهذا الانطباع يقف حائلا أمام تشكيل شراكات حقيقية وقوية.
سبب آخر يمكن أخذه بعين الاعتبار، هو أن معظم الأحزاب السياسية، باستثناء حزبين أو ثلاثة، والتي يفترض أن تكون الأكثر جهوزية لخوض تجربة القوائم، تجد نفسها (الأحزاب) أمام الواقع الذي طالما أنكرته، والمتمثل في عدم وجود ثقل حقيقي لها على الأرض، وبالتالي عدم قدرتها على تشكيل قوائم خاصة بها، والأهم عدم قدرتها على التعاون فيما بينها لتشكيل قوائم مشتركة. 
ولا يمكن أن نتجاهل هنا الدور الذي يلعبه المال في تشكيل القوائم الانتخابية؛ إذ يسعى بعض المرشحين المحتملين من أصحاب المال إلى تكوين قوائم خاصة بكل واحد منهم، وتعبئة خانات هذه القوائم من خلال مرشحين موالين لهم وليسوا من أصحاب الوزن الانتخابي الثقيل. وفي المقابل، يقوم أصحاب المال بتحمل تكاليف خوض هذه الانتخابات، بل إن الحديث في بعض الحالات يصل إلى عرض مبالغ مالية على الآخرين لقاء الدخول في القائمة من دون شراكة حقيقية أو دور فعلي لهؤلاء المرشحين. 
الأصل في نظام القوائم الانتخابية أن يكون حافزا في تجميع المرشحين أصحاب البرامج المتقاربة، وخوض الانتخابات على أساس برامجي. لكن ما يحدث لغاية الآن، مثير للقلق؛ إذ ما تزال السطوة للمال والروابط العشائرية والمناطقية، وهذا تماما عكس المأمول من قانون الانتخاب الجديد. ومع تشبثنا بالأمل في تشكيل قوائم برامجية وسياسية خلال الفترة المقبلة، وإدراكنا لحداثة التجربة، إلا أنه يجب أن نعترف أننا ندفع الآن ثمن عقود من ممارسة الانتخابات وفق أنظمة عززت الفردية والاعتبارات ما دون الوطنية. ولعل انتخابات هذا العام تكون تجربة مفيدة لتطوير النظام الانتخابي مستقبلا، بشكل ينقل الانتخابات من حدث اجتماعي إلى حدث سياسي بامتياز.