السبت، 8 أكتوبر 2016

حكومة بعين واحدة

منذ وصوله "الدوار الرابع"، بدأ د. عبدالله النسور وفريقه الاقتصادي باتخاذ إجراءات متسارعة ومتتالية في ملف الإصلاح الاقتصادي، كانت جميعها إجراءات قاسية وغير شعبية. لكن الرجل وحكومته أصرا على أن هذه الإجراءات شر لا بد منه إذا أردنا أن نحمي الاقتصاد الأردني من الانهيار. ومنذ ثلاث سنوات، لم تتوقف الحكومة عن الدفع باتجاه إلغاء أنواع الدعم كافة، في محاولة للتخلص من العجز الدائم في الموازنة، أو الحد منه على أقل تقدير. وبحثت الحكومة عن مصادر للإيرادات، فتوجهت إلى خيار الرفع المستمر للضرائب والرسوم، في مختلف القطاعات.
وتشير الأرقام بشكل واضح إلى أن الحكومة لم تحقق المطلوب من سياسات التصحيح الاقتصادي؛ فقد شهدت المالية العامة تدهوراً ملحوظاً، وتراجعت المؤشرات الاقتصادية بشكل واضح. وعلى سبيل المثال، بلغ صافي الدين العام في نهاية أيلول (سبتمبر) 2015 نحو 22.3 مليار دينار أو ما نسبته 82.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 80.8 % في نهاية العام 2014. ونما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال النصف الأول من العام 2015 بما نسبته 2.2 % مقارنة مع 3.0 % لنفس الفترة من العام 2014، ويتوقع أن يبلغ 2.7 % للعام 2015. وقد رافق ذلك ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى 12.9 % خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2015 مقابل 11.7 % خلال نفس الفترة من العام 2014.
إن السياسات الاقتصادية الناجحة هي تلك التي تحقق المنفعة للدولة والمواطن على حد سواء؛ فما الحكمة من اتباع سياسات لا تحقق نتائج جيدة على المستوى العام، وفي الوقت ذاته تجعل المواطن يرزح تحت أعباء تثقل كاهله وتجعل حياته أصعب كل يوم؟ وإلى متى سيظل المواطن الأردني المصدر الرئيس لتغطية العجوزات والثغرات الاقتصادية؟ ولماذا لا يشعر المواطن بأي فروقات إيجابية نتيجة انخفاض أسعار النفط؟
للأسف الشديد، الحكومة نظرت إلى الإصلاح الاقتصادي بعين واحدة؛ فتوجهت إلى "ترقيع" الفجوات المالية من خلال محاولة تعظيم الإيرادات عن طريق إلغاء الدعم ورفع الرسوم والضرائب، ولكنها لم تستخدم عينها الأخرى ولم تعمل على زيادة الإيرادات من خلال الاستثمار. وعلى الرغم من التوجيهات والجهود الملكية الواضحة في مجال تحسين البيئة الاستثمارية وجذب الاستثمارات، فإن الحكومة لم تقم بخطوات واضحة وعملية لتطبيق هذه التوجيهات، بل أدت السياسات المرتكزة على رفع الرسوم إلى زيادة الكلفة التشغيلية على عدد من القطاعات ما يهدد بخسارة المستثمرين فيها.
إن الزيادة في الإيرادات المتأتية عن رفع الرسوم هي زيادة مؤقتة وقصيرة المدى، سيقابلها على المدى الطويل انحسار وتراجع في الإيرادات نتيجة خروج المستثمرين من قطاعات اقتصادية مهمة بسبب ارتفاع التكلفة التشغيلية، إضافة إلى نتائج سلبية أخرى تتمثل في فقدان العاملين في هذه القطاعات لوظائفهم، وبما يعني ارتفاع في معدلات البطالة وخسارة في الإيردات الناتجة عن ضريبة الدخل والمساهمة في الضمان الاجتماعي. 
باختصار، إذا أرادت الحكومة إنقاذ الاقتصاد، فإن عليها التركيز على تهيئة البيئة الاستثمارية لجعلها جاذبة للاستثمار الوطني والأجنبي، فهذه هي الطريق الوحيدة الذي يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة من الإصلاح الاقتصادي. فالاستثمار يعني مزيدا من الدخل لخزينة الدولة، بما يمكنها من تغطية الفجوات المالية؛ ويعني أيضا مزيدا من فرص العمل ومزيدا من الدخول التي ستساهم في الدورة الاقتصادية. بغير ذلك، لن نتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق