السبت، 8 أكتوبر 2016

قانون الانتخاب وهراء التوطين

أعدت قراءة مسودة قانون الانتخاب الجديد أكثر من مرة، محاولا فهم كيف استنتج البعض أن مشروع القانون هذا "توطيني". فبحثت في كل فقرة وكلمة، وحللت النظام الانتخابي، محاولا أن أصل إلى نفس الاستنتاج، إلا أنني لم أتمكن من أبدا من ذلك. والسبب، ببساطة، أنه (مشروع) قانون انتخاب يتم من خلاله اختيار أعضاء مجلس النواب، هكذا بكل بساطة، ومن دون التعقيدات التي يفكر بها البعض. 
لنتحدث بصراحة: كيف يمكن لهذا القانون أن يكون توطينيا، وعلى أي أساس؟ فالهيئة الناخبة التي ستقوم بالاقتراع هي مجموع المواطنين الأردنيين الذين يحملون رقما وطنيا، فما الجديد؟ إلا إذا كان البعض يريد إعادة النظر في توصيف الهيئة الناخبة على أسس أخرى غير قانونية، وهذا في حد ذاته تفكير خطير ومنحرف، ولا أعتقد أن أيا من مؤسسات أو أفراد الدولة الأردنية يفكر فيه من الأساس. 
هل المشكلة، إذن، في تمثيل المحافظات في مجلس النواب؟ مسودة القانون لم تغير في هذا التمثيل شيئا، باستثناء إضافة سبعة مقاعد قد يتم توزيعها على محافظات العاصمة وإربد والزرقاء. وهذه المحافظات في الأساس ممثلة بأقل مما تستحق عند الحديث عن المعيار السكاني في التمثيل. كما أن سبعة مقاعد لن تؤثر أساسا في تركيبة المجلس التمثيلية، وستحافظ باقي المحافظات على نفس عدد المقاعد التي تمثلها في القانون الحالي والذي سبقه. 
ربما قد يغمز البعض ويلمز في قناة توسيع الدوائر الانتخابية لتصبح على مستوى المحافظة، ولكن يظل السؤال نفسه قائما: كيف سيقود ذلك إلى التوطين كما يدعي البعض؟ فالناخبون في المحافظات هم ذاتهم، ولم يحدث عليهم أي تغيير؛ والمقاعد المخصصة لكل محافظة ستمثل الهيئة الناخبة فيها، وهذه الهيئة كما قلنا سابقا هي المواطنون الأردنيون.
محاولة البعض استغلال تصريحات هنا أو هناك ليدّعي أن مشروع قانون الانتخاب الجديد جاء تحت الضغط الأميركي، هي محاولة بائسة. فالقانون في معظمه مطابق لتوصيات لجنة الحوار الوطني، أي أنه حظي بدعم أغلب القوى السياسية والاجتماعية التي شاركت في حوار اللجنة. كما أن حكومة د. عبدالله النسور لم تكن تحت أي ضغط عندما قدمت مسودة القانون، وهذا بالتحديد كان مفاجئا للعديد من المراقبين، فكيف يأتي أحدهم الآن محاولا أن يظهر القانون وكأنه مشروع أميركي توطيني؟! 
الأدهى من ذلك محاولة بعضهم الربط بين القانون والتدخل الروسي في سورية، في ما يمكن أن نطلق عليه "الرابط العجيب"، ليقدم تحليلا من وحي الخيال، بأن وجود روسيا في المنطقة قد أزاح الضغط الأميركي عن كاهل الحكومة الأردنية، وبالتالي فإن الحكومة لم تعد مهتمة بتسويق هذا القانون في مجلس النواب كما كانت الحال قبل التواجد الروسي في سورية؛ ما هذا التحليل الغريب العجيب؟ 
الاستنتاج الوحيد الذي توصلت إليه هو أن هناك مرضا لدى البعض اسمه عقدة التوطين، يشكل لهم هاجسا يجعلهم يربطون كل حركة تقوم بها الحكومة ومؤسساتها وممثلوها بالتوطين والوطن البديل، على الرغم من أن الدولة الأردنية بمؤسساتها كافة، وعلى رأسها جلالة الملك، قد أكدت دوما أن هذا الأمر مرفوض، وأن الأردن ليس بالملعب الخالي حتى يتم اعتباره وطنا بديلا. 
كان يمكن أن نفهم شكوك البعض لو أن قانون الانتخاب الجديد قد سمح لغير حاملي الرقم الوطني بالترشح والتصويت، لكن هذا لم يحدث، ولن يحدث على الإطلاق. وبالتأكيد، لا توجد أي نية لدى الدولة الأردنية لمنح أرقام وطنية لمن لا يحملونها. ولذلك، فمن الغرابة أن يقوم البعض باستنتاج العكس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق