السبت، 8 أكتوبر 2016

برقيات الملك الإصلاحية



قدم جلالة الملك درسا مهما في أن الدستور هو الأساس والفيصل في كل ما يتعلق بالدولة الأردنية، وأن محاولات الالتفاف عليه لا بد أن تنتهي إلى الأبد إذا أردنا أن نسير بخطى واثقة وحقيقية نحو دولة مؤسسات، تحترم عقدها الاجتماعي ومواطنيها. ووجه جلالته رسالة قوية إلى كل من يعتقدون أنهم أذكى أو أقوى من الدستور، عندما رد قانون اللامركزية لوجود مخالفة دستورية فيه.
رد الملك للقانون يحمل في طياته برقيات مهمة. أولاها، أن على الجميع الالتزام بالدستور باعتباره أساس التشريع، وأن كل ما يخالفه مرفوض تماما. وثاني البرقيات، أن السير على طريق الإصلاح يستلزم صدق النوايا، والابتعاد عن محاولات الالتفاف حول الاستحقاقات الإصلاحية من خلال تفريغها من مضمونها، ومحاولة تسويقها شكلا دون محتوى.
في قانون اللامركزية، كان حذف النص الذي يؤكد على استقلالية مجالس المحافظات وعدم اعتبارها شخصيات اعتبارية، التفافا واضحا على الهدف من فكرة اللامركزية، وتفريغا للقانون من مضمونه، لتصبح اللامركزية المنتظرة جسدا بلا روح؛ فأي لامركزية هذه التي لا تتمتع فيها المجالس بالاستقلالية، وأي عقل هذا الذي يرفض ويقاوم التغيير الإيجابي ويتمسك بالسلطة البيروقراطية على حساب الإصلاح والتقدم؟
برقيات الملك لم ولن تتوقف عند قانون اللامركزية. وأعتقد أن الرسالة وصلت للجميع بضرورة الالتزام بروح الدستور وعدم تعطيل حزمة القوانين الإصلاحية، وعلى رأسها قانون الانتخاب الجديد، خاصة مع ظهور بعض الأصوات التي حاولت أن تعطل سير القانون أو تغير من صيغته تمسكا بالماضي وخوفا من المستقبل. فالقانون الجديد، على الرغم من بعض الملاحظات، يكرس خطوة مهمة إلى الأمام على طريق الإصلاح الانتخابي والسياسي، كما أنه يتوافق مع مخرجات لجنة الحوار الوطني ومطالبات القوى السياسية بضرورة اعتماد النسبية أساسا للانتخاب والتمثيل. 
على القوى التي ترفض التقدم للأمام، والتي يمكن أن نصفها بأنها قوى شد عكسي، أن تستوعب الرسالة الملكية جيدا؛ فالأردن لا خيار له إلا التقدم أكثر على طريق الديمقراطية والإصلاح، فالإرادة الشعبية والسياسية العليا تصر على هذا النهج. وأيا كانت الصعوبات والعراقيل، ومهما حاولت هذه القوى المحافظة على مكاسبها، فإن مصلحة الوطن أعلى وأسمى من هذه المصالح، وهذا ما يراه الملك مدعوما برغبة الناس في أردن أفضل وأقوى وأكثر ديمقراطية. 
نختلف كثيرا حول القوانين ومدى موافقتها لمبادئ وأسس الحريات والحقوق، ومدى قدرتها على تفعيل الرؤى الإصلاحية. ولكن علينا جميعا أن نعي أن هناك أرضية لا يمكن أن نغفلها، تتمثل في الدستور، ولا يمكن هكذا وبكل بساطة أن يتجاهل البعض قرارات المحكمة الدستورية. ولهذا نفهم لماذا كنا دائما نطالب بضرورة وجود محكمة دستورية، فهذه المحكمة، وعلى الرغم من تحفظي على بعض مواد قانونها، تلعب دورا مهما في الفصل بين ما هو دستوري وما هو غير ذلك. وعلى من يعتبرون أنفسهم من رجالات الدولة وغيرهم، أن يحترموا هذه المحكمة، وأن يلتزموا بالدستور وبالتوجهات الإصلاحية الملكية والشعبية. ولعل رد الملك لقانون اللامركزية يكون فرصة أخرى لإعادة النظر في عدد آخر من القوانين والتعليمات التي تخالف روح الدستور، وتتناقض مع الفكر الإصلاحي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق