السبت، 8 أكتوبر 2016

سيدتي.. ممنوع الابتسام!



تكاد المرأة ترتكب جريمة أو خطيئة إذا ما قررت أن تبتسم في مجتمع التناقضات الذكورية. فالابتسامة التي ترمز في العالم كله إلى اللطافة واللباقة، يتم تفسيرها بأنها دعوة للتحرش إذا صدرت عن امرأة في مجتمعاتنا، و"يا ويلها وسواد ليلها" تلك السيدة التي تدخل إلى أي محل تجاري مبتسمة، إذ قد تتسارع الخواطر في رأس بائع بأن هذه الأنثى ترسل له إشارات مباشرة وهي التي طالما بحثت عنه حتى عثرت عليه في محل الأحذية أو الألبسة، أو حتى في بقالته الصغيرة القابعة في أول الحارة. وينطبق الأمر في حالات أخرى مشابهة، لو قررت امرأة ما في مكان ما أن تبتسم لموظف، أو إذا ابتسمت مضيفة في وجه مسافر، فالإشارة واضحة واللبيب من الإشارة يفهم!
الفحل على الطرف الآخر يستشيط غضبا إذا ما لمح على وجه زوجته أو أخته أوابنته ما قد يشبه الابتسامة في مكان عام، فهي بذلك تلطخ شرفه الرفيع وتضعه في موقف محرج أمام الآخرين، فينظر إليها بعينين جاحظتين محمرتين، ويوجه لها كلاما قاسيا يؤنبها به على ما اقترفت من ذنب، وقد يصل الأمر إلى توجيه صفعة تمنعها من ممارسة "رذيلة الابتسام" مرة أخرى. 
تدخل تلك السيدة إلى متجر ما، تحيي البائع بابتسامة جميلة، وتسأله بلطف عن أحواله، ثم تسأل عما تود شراءه. يذوب أخونا في بحر الأوهام، ويبدأ السباحة فيه؛ يرد التحية بأحسن منها، ويبالغ في الترحيب. وبعد الشراء، يطلب رقم الهاتف حتى يتم إدخاله في قاعدة البيانات لإبقاء الزبائن مطلعين على آخر العروض. لكن الرقم ينسل من قاعدة البيانات إلى هاتفه الشخصي، وتبدأ رسائل التحرش المقنّعة: "زمان ما شرفتينا"، "شو ما خطرنا على بالك"، "حبيت اطمن إنك وصلتي على البيت بالسلامة"، "خطرتي على بالي قلت أسلم".. وغيرها من الرسائل. وتلك السيدة التي لا تذكر أصلا من هو هذا الشخص تقع في حيرة من أمرها، فإن هي ردت عليه فسيعتقد فورا أنها تظهر عكس ما تبطن، وسيستمر في سلوكه باعتباره خبيرا في النساء، وأنهن "يتمنعن وهن راغبات". وإن هي سكتت، فسيقول "السكوت علامة الرضى". وإن هي أخبرت أحدا فسيتم تقريعها على الابتسامة وعلى إعطاء رقم هاتفها. 
يحدث الأمر ذاته في مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تتلقى الفتاة، كل يوم، آلافا من طلبات الصداقة من أشخاص لا تعرفهم، وحيث يعيش الذكور دور الأبطال المنفتحين المتعاطفين. آلاف حالات التحرش الإلكتروني تحدث يوميا على صفحات "فيسبوك"، وكأن المرأة عندما قررت أن تدخل إلى هذا العالم الافتراضي، وجهت دعوة مفتوحة للتحرش!
يا سيدتي، ممنوع الابتسام في هذا المجتمع. اعقدي حاجبيك و"اعطيها تكشيرة من الآخر"، فهذا معيار الجدية والاستقامة والسلوك القويم الشريف عند فحول العرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق