السبت، 8 أكتوبر 2016

أوباما إلى بوتين: هل تسمعني جيدا؟

تفاءل مؤيدو النظام السوري، وبالتحديد أنصار الأسد، بالتدخل الروسي المباشر في سورية، ووصفوه بالانتصار، وأن المجتمع الدولي سيرضخ لما روج له الأسد بأنه لا بديل له إلا الفوضى. واعتبر أنصار الأسد أن اللعبة انتهت لمصلحته، وأنه قد ثبت نفسه وانتصر على أعدائه كافة، في الداخل والخارج؛ وأن المجتمع الدولي بات مقتنعا بأن بقاء الأسد أمر لا مفر منه، إذا كانت هناك رغبة فعلية في القضاء على تنظيم "داعش" كأولوية قصوى. 
بالتأكيد هناك توافق دولي، وبالتحديد أميركي-روسي، على قضيتين أساسيتين في سورية. الأولى، تتمثل في ضرورة القضاء على تنظيم "داعش" الذي تمدد وتضخم بطريقة مزعجة للاعبين الدوليين، وبات يشكل تهديدا لمصالحهم، بعد أن كان ممرا لها في الماضي القريب. أما القضية الثانية، فهي أن الجميع متفق على أن الحل في سورية لن يكون عسكريا، وأنه لا بد من حل سياسي تمهد له مرحلة انتقالية. 
الخلاف بين واشنطن وموسكو هو خلاف على التفاصيل والأدوات. وهو خلاف خاضع للتفاوض، تدخل في ثناياه ملفات معقدة أخرى، مثل الملفين الأوكراني والإيراني، إضافة إلى ملفات ذات علاقة بقضايا اقتصادية، منها مثلا موضوع الغاز الروسي وإمكانية وصوله إلى أوروبا. وهذه القضايا جميعها تشكل حزمة من المصالح التي ترى روسيا أن واشنطن تهددها بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال التدخلات الأميركية في عدد من المناطق التي يعتبرها الروس نطاقا حيويا لهم. 
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أول من أمس، وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما، رسالة واضحة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين؛ رسالة في جملة واحدة مفادها أن الولايات المتحدة تتفق مع روسيا على ضرورة وجود مرحلة انتقالية، ولكن من دون دور لبشار الأسد في هذه المرحلة. وليكون الرد الروسي في كلمة بوتين، في المكان والزمان نفسيهما، أن روسيا تؤكد ضرورة التعاون مع الحكومة السورية. لكن بوتين لم يذكر في كلمته ما يؤكد على نفي ما قاله أوباما فيما يتعلق بدور الأسد في المرحلة الانتقالية. وربما أراد بوتين أيضا أن يرسل إشارة إلى العالم بأن روسيا يمكن أن تتفاوض على بقاء الاسد من عدمه، في حال كانت النتيجة النهائية لهذه المفاوضات تصب في خانة حماية مصالح روسيا في المنطقة. 
ما قاله بوتين عن التعاون مع الحكومة السورية لا يعني بأي حال إصرارا روسيا على بقاء الأسد. ولكنه بالتأكيد يعطي إشارة إلى أن روسيا قرأت ما حدث في العراق بالأمس القريب بشكل جيد، ووصلت إلى قناعة بأن تفكيك أجهزة الدولة العراقية كان له أثر كارثي ليس على العراق فحسب، بل وعلى المنطقة بأسرها، ولذلك فإن الروس يريدون تجنب تكرار ما حدث في العراق من جهة، إضافة إلى أنهم يبحثون عن ضمانة لتحقيق وحماية مصالحهم في سورية من جهة أخرى. ويبدو واضحا أن التواجد الروسي في سورية يصب في هذه الخانة، أكثر بكثير مما يمكن فهمه أنه حماية لبشار الأسد ونظامه. 
الحقيقة أن هذا التصور بالانتصار لدى أنصار الأسد ما هو إلا شعور وهمي. فأنصار الأسد ينظرون إلى روسيا باعتبارها حليفا استراتيجيا للنظام السوري، وأن الروس مستعدون للدفاع عن هذا النظام مهما بلغت الكلفة عليهم. لكن ما نسيه هؤلاء أن روسيا تسعى بالدرجة الأولى إلى حماية مصالحها ونفوذها، وأنها لا تبالي ما إذا كانت السلطة في سورية بيد الأسد أو غيره، طالما ضمنت أن من يملك هذه السلطة لن يضر بالمصالح الروسية في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فما هذا الشعور بالانتصار الذي كان ثمنه ملايين اللاجئين، وآلاف القتلى، والمشردين، وخسارة الدولة لصالح تنظيمات إرهابية متطرفة؟! إذا كان هذا هو الانتصار، فكيف تكون الخسارة إذن؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق