السبت، 8 أكتوبر 2016

مفرقعات برلمانية

لم يكن كافيا ما نتج عن انفجار حاويتي المفرقعات في جمرك عمان من مآس؛ تمثلت في وفاة أشخاص لا ذنب لهم، لتكمل المفرقعات انفجارها في وجوهنا بالاتهامات المتبادلة بين مدير عام الجمارك وأحد النواب. 
فالموضوع هنا يتعدى بكثير قصة الإهمال في التعامل مع حاويتي مفرقعات، مع الإقرار بأهمية هذا الموضوع. ويتعدى العجز التشريعي في التعامل مع مثل هذه القضايا. والتساؤلات التي يطرحها الناس عن كيفية وصول الحاوية من العقبة إلى عمان، هي تساؤلات محقة ومشروعة، تضع علامات استفهام كبيرة على الكيفية التي تدار بها مؤسسات مفصلية في الدولة ومنها الميناء والجمارك، كما تضع علامات تعجب حول نفوذ البعض وقدرتهم على التحايل على القوانين والتعليمات! 
كما أن من حق الناس أن يسألوا عن السبب الذي قد يدفع نائبا، يفترض به أن يراقب ويشرع، إلى التوسط (بشكل عام وليس في حادثة الجمرك الأخيرة تحديداً، فليس هناك ما هو ثابت بشكل قطعي) لشخص مخالف للقانون، وكيف سيثق المواطن في النائب الذي يتدخل لصالح مثل هكذا شخص. ومن حق الناس أن يستغربوا إصرار بعض التجار على استيراد مواد محظورة كالمفرقعات، إلا إذا كان بإمكانهم التحايل على هذا الحظر بطريقة أو بأخرى، نتيجة وجود ثغرات تشريعية، أو أشخاص يسهلون لهم تهريب البضاعة. كل هذه تساؤلات مشروعة ويجب أن يتم الاجابة عنها بكل شفافية، ولا يكفي أن تتحمل الحكومة المسؤولية وتقف عند هذا الحد.
في المقابل، نسمع من الناس شتى أنواع النقد والاتهام للنواب. وبعيدا عن موضوعية هذا النقد من عدمه، يظل السؤال الكبير قائما: لماذا يعود الناس إلى انتخاب أشخاص غير مؤهلين وإيصالهم إلى مجلس النواب؟ لماذا يعطي الناس الأولوية في قرارهم الانتخابي للروابط العشائرية أو العوامل الخدمية، مع أنها أثبتت أنها أسس لا تصلح لإيصال نواب قادرين على ممارسة دورهم النيابي الحقيقي؟ ولماذا يقبل البعض أن يبيع صوته مقابل أي مبلغ كان، ومن ثم يقوم بالتحسر على أداء النائب الذي وصل إلى المجلس نتيجة شراء الأصوات؟ 
حادثة الجمرك وغيرها تؤكد أن الدعوات إلى ضرورة وجود قانون انتخاب ينحاز إلى تمثيل المواطنين من خلال برامج، هي دعوات محقة، وهي أولوية لا يمكن إغفالها. فمجلس النواب يجب أن يكون أداة التشريع والرقابة الأقوى في الدولة. وحتى يحدث ذلك لا بد من أن يساعد القانون الناس في انتخاب الأفضل والأقدر على ممارسة هذا الدور. ولعلنا نتفاءل بقانون الانتخاب الجديد، إضافة إلى إقرار قانون اللامركزية الذي يفترض أن يفرز مجالس معنية بالخدمات جنبا إلى جنب مع البلديات، بحيث يتفرغ مجلس النواب وأعضاؤه لدورهم الحقيقي بعيدا عن انشغالهم بتأمين الخدمات والواسطات لضمان النجاح والوصول إلى القبة مرة أخرى. 
والصورة شبه المثالية لمجلس النواب، تكتمل عندما تلعب الأحزاب السياسية دورا رئيسا من خلال وصولها إلى المجلس وتشكيل كتل قادرة على تشكيل حكومات ومعارضة. وهنا لا بد من توفير البيئة الحاضنة التي تسمح بتطور الأحزاب، وتدفع بها إلى معترك الحياة البرلمانية بشكل حقيقي. ولا يمكن لذلك أن يحدث في ظل وجود معيقات أمام هذه الأحزاب وعملها، بل إن قانونا جيدا للأحزاب مرتبطا بقانون انتخاب فعال، سيفرز غث الأحزاب من سمينها، ويعطي للمواطنين فرصة اختيار البرنامج الذي يناسبهم. 
لا تستغربوا كيف نربط بين حادثة المفرقعات وقانون الانتخاب وعمل الأحزاب؛ فالحياة العامة تحتاج إلى أن تدور تروسها كافة بشكل متقن ومتناغم، ولا يكفي التعامل مع التهاب مفاصلها بوضع كريمات سطحية. نحن بحاجة إلى علاجات حقيقية، وكلي أمل أن يكون قانون الانتخاب الجديد بداية لهذه العلاجات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق