السبت، 8 أكتوبر 2016

مناطق عازلة

عندما يتعلق الأمر بالمناطق الحدودية، فإن على الأردن أن لا يخلّ بالتزامين: الأول، هو الالتزام بأمن الأردنيين وسلامتهم، وحماية الأرض الأردنية. والثاني، هو الالتزام الأخلاقي الذي طالما انتهجه الأردن، بتوفير الحماية والملاذ للاجئين الهاربين من ظروف الحرب والقتل والدمار في سورية.
التوفيق بين الالتزامين ليس بالأمر الهين في ظل وجود عصابات إرهابية تنتهز أي فرصة أو ثغرة للانقضاض على الأردن وتصفية حسابها معه، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها تلك العصابات كجزء من الحرب المشروعة على الإرهاب، وكذلك محاولة تلك العصابات، وبالتحديد تنظيم "داعش"، فتح جبهات على الحدود الأردنية للتخفيف من الضغط الواقع على التنظيم في سورية والعراق. مع ذلك، أثبت الأردن قدرته على التعامل مع هذه المعادلة الصعبة خلال السنوات الماضية؛ فاستقبل اللاجئين، وحمى حدوده بكل اقتدار. 
مع ذلك، علينا إدراك أن الأمور في الفترة الحالية لم تعد كالسابق؛ فهناك آلاف الأشخاص ينتظرون خلف الحدود بانتظار الدخول إلى الأراضي الأردنية طلبا للجوء. وقد أكدت التقارير الأمنية سابقا، والعملية الإرهابية الجبانة ضد جيشنا مؤخرا في "الركبان"، أن بين العالقين على الحدود عدد من الإرهابيين والمتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية. كما أن التقدم الذي تحرزه القوات العراقية وقوات التحالف الدولي والقوات الكردية وحتى قوات النظام السوري ضد "داعش" عسكريا، يعني بالضرورة ارتفاع احتمال تدفق المزيد من اللاجئين نحو المناطق الحدودية، ويعني أيضا ارتفاع احتمال تنفيذ هجمات إرهابية في هذه المناطق.
الأردن الذي تحمّل الكثير في الفترة الماضية، ليس مضطرا لتحمل الكلفة الأمنية الباهظة التي قد تترتب على التطورات الأخيرة. ومن غير المنطق أن يطالب أي كان الأردن بفتح حدوده من دون حسيب أو رقيب؛ فأمن الوطن والمواطن أولوية يتفق عليها جميع الأردنيين، وهي ليست قضية قابلة للمساومة تحت أي ظرف من الظروف. 
هنا فإن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته تجاه الأردن وأمنه، وتجاه اللاجئين الذين لا ذنب لهم في ما يحصل؛ فهم في المحصلة ضحايا حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وعليه، فإن المجتمع الدولي مطالب بتدخل فوري، وعلى أكثر من مستوى، لدعم الأردن اقتصاديا وبشكل فوري، بما يمكنه من تحمل التكاليف الاقتصادية الناتجة عن اللجوء والاستمرار في تقديم الخدمات للمواطن الأردني واللاجئ. مع التأكيد أن الدعم الاقتصادي يجب أن يتجاوز فكرة كلف الخدمات الأساسية والبنى التحتية، إلى دعم يمكّن الاقتصاد الأردني من التقدم إلى الأمام، وخلق فرص عمل، وتحقيق تنمية تنعكس إيجابا على الأردنيين وعلى كل من يقيم على الأراضي الأردنية. أما أن يقتصر الحديث على دعم لتغطية تكاليف بعض الخدمات الأساسية، ففي ذلك إجحاف بحق الأردن والأردنيين واللاجئين. 
ومن الناحية الأمنية، لا بد من دعم الأردن ماليا وعسكريا لإقامة مناطق عازلة على الجانب الآخر من الحدود، بحيث تكون هذه المناطق خط دفاع عن أمن الحدود الأردنية في مواجهة أي محاولة إرهابية كتلك التي حصلت مؤخرا في منطقة الركبان. كما يمكن استغلال هذه المناطق العازلة لاستقبال اللاجئين وتوفير الخدمات لهم من دون أن يتدفق الآلاف منهم نحو الحدود الأردنية. وهذا يوفر الفرصة للقيام بالتدقيق الأمني والتأكد من عدم وجود عناصر إرهابية بين اللاجئين، وفي الوقت ذاته يمكن الأردن والمجتمع الدولي من تقديم الخدمات الإنسانية لهم. 
المناطق العازلة خيار مشروع من قبل الأمم المتحدة في حالات الحرب، ومن خلاله يمكن تحقيق توازن بين الواجب الأمني المتمثل في حماية الحدود، والواجب الإنساني في استقبال وحماية اللاجئين. لكن من المهم التأكيد مرة أخرى أن الأردن غير مضطر لتحمل هذه الكلف العالية وحده، وأن على المجتمع الدولي ودول المنطقة أن تتحمل مسؤولياتها تجاهه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق