السبت، 8 أكتوبر 2016

هويتنا المتنوعة



في كلمته للشعب الأردني بمناسبة عيد الاستقلال ومئوية الثورة العربية الكبرى، أشار جلالة الملك بوضوح إلى التعدد باعتباره قيمة أساسية من قيم الدولة الأردنية. 
هذه الكلمة ليست مجرد مصطلح رويتني أو إنشائي، بل هي قيمة جوهرية مرتبطة بتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا؛ هي قيمة تؤكد أن وحدتنا في تنوعنا، وقوتنا في تعددنا، وأن أي محاولة لتحويلنا جميعا إلى نسخ مكررة هو أمر يتناقض مع المنطق ومع قيم الدولة الأردنية.
الدولة الأردنية، ومنذ نشأتها، كانت حاضنة لخليط جميل من الأعراق والديانات والثقافات، وامتزجت مكوناتها الاجتماعية فيما بينها مشكّلة حالة جميلة من التنوع المبني على العيش المشترك ووحدة المصير. وأرسى الآباء الأوائل هذه القيم في مجتمعنا الأردني من دون تخطيط مسبق، إذ إنهم تصرفوا بعفوية وإنسانية ومنطق فشكلوا لنا هوية أردنية جامعة ومليئة بالألوان.
قيمة التعددية لا يمكن أن تقتصر فقط على الجوانب الاجتماعية والثقافية، بل يجب أن تمتد إلى الجانب السياسي، بحيث نرى مواقف سياسية متنوعة، وأحزابا تمثل التيارات السياسية كافة، تختلف أو تتآلف فيما بينها مشكّلة جبهات سياسية تقود إلى تشكيل حكومات لها برامج واضحة، ومعارضة لها أيضا برامج واضحة.
التعددية تعني أن لا يطغى مكون على الآخر، وأن يكون لكل مكون الحق الكامل في التعبير عن نفسه داخل الإطار المجتمعي. والتعددية تعني عدم إقصاء الآخر لأنه أضعف، أو لأنه مختلف فقط مع الطرف القوي.
التعددية أساس قوي ومتين لمجتمع متماسك. وقد شهدنا تجارب العديد من الدول التي حاول البعض فيها فرض لون واحد على المجتمع، فكانت النتيجة انقسامات وصراعات واستقطابات ومخاوف متبادلة. على الطرف الآخر، تمكنت الدول التي احترمت التعددية من أن تحمي كيانها ومجتمعها، بل أكاد أجزم أن الدول لا يمكن أن تصل إلى مصاف الدول المتقدمة إذا لم تحقق شرط التعددية الحقيقية.
وحتى نكون واضحين، فإن التعددية لا تعني بأي حال من الأحوال المحاصصة، بل إن الأخيرة عكس الأولى. والدول التي تلجأ إلى خلق تقسيمات بين المجموعات المختلفة، لا بد أن تصطدم يوما بما صنعته واعتبره البعض حقا مكتسبا.
بالعودة مرة أخرى إلى موضوع الهوية، فعلينا أن نصل لقناعة راسخة بأن الهوية الوطنية الأجمل والأقوى هي تلك التي لا تطمس أي مكون، بل هي التي تعتمد في تشكلها على الاختلاف في الثقافة والتعليم وغيرهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق