السبت، 8 أكتوبر 2016

حوار مع طاولة

نجح أخيرا في اقناعها بقبول دعوته لشرب فنجان من القهوة، كان فرحا بموافقتها، تماما كما تفرح أشجار الصبار في الصحراء ببعض قطرات الندى التي تجمعت خلال الليل، فهو لم يكن يتوقع ابدا ان توافق حتى على الحديث معه في الممر، ولذلك فأن موافقتها على شرب فنجان القهوة كانت أكثر مما تمنى، وكل ما أراد حينها ان يمضي معها بعض الدقائق، عله يتجرأ ويخبرها انه يريد ان تمتد هذه الدقائق لتصبح العمر كله.


الطاولة التي حجزها كانت صغيرة جدا، ولكنه كان يتمنى ان تكون أصغر، تفحص الطاولة جيدا، وكأنه يتفحص ارض معركة سيخوضها مع القدر، الاف الأفكار والاسئلة تجمهرت داخله خلال تلك الدقائق التي سبقت حضورها، هل يقبل يدها عند الوصول ام يكتفي بإزاحة المقعد قليلا كنوع من الاتيكيت؟ هل يطلب لها القهوة بثقة ام يسألها عما تفضله ويعطيها مساحتها في الاختيار؟ هل يدخن اثناء الحديث، ام ان ذلك قد يزعجها؟ طيب، ماذا لو كانت مدخنة، كيف سيعرف ذلك؟ وهل من اللائق ان يقدم لها سيجارة؟ هل يتحدث عن نفسه ام يستمع لها؟ هل ستأتي لتتحدث عن نفسها ام انها ترغب في سماع ما لديه؟

استمر في النظر الى الطاولة، وبين لحظة وأخرى كان ينظر الى المدخل ينتظرها، ولكنه وبسرعة كان يعيد عينيه الى الطاولة، وكأنه يريد ان يحمل هذه الطاولة مسؤولية ما سيحدث خلال الدقائق القادمة، وعاد للتساؤل مرة أخرى، هل يجب ان يضع يديه على الطاولة ام يضعهما الى جانبه ام يكتفهما على صدره؟ كيف ستقرأ هي موقع اليدين؟ هل ستوقعه هذه الطاولة في مشكلة؟ يا الله لو لم تكن طاولة مستديرة، لربما أصبح الأمر أسهل، ولكنها مستديرة جدا، لا بداية لها ولا نهاية، فأين سيبدأ وأين سينتهي؟

اخذ يهز الطاولة قليلا ليتأكد انها ثابته، وانها لن توقعه في مأزق او موقف محرج، كأن يقع فنجان القهوة بسبب اهتزاز الطاولة، ماذا سيفعل ان حدث ذلك، سيبتسم بالتأكيد ويقول ان "دلق الهوة خير" ومن ثم سيحاول ان يزيل اثار القهوة عن الطاولة، سيرتبك بالتأكيد، وربما ترتبك هي، وسيلعن في داخله هذه الطاولة المهزوزة، ولحسن حظه كانت الطاولة ثابتة تماما، ومع ارتفاع منسوب ثقته في الطاولة بدأ يشك في ثبات يديه، فربما تهتزان وتوقعان الفنجان، ويعود للمشهد المرتبك مرة أخرى.

فجأة انتبه الى وجود قائمة الطعام والشراب في مركز الطاولة، مد يده اليه واخذ يقرأ ما في داخله، أنواع وأنواع من القهوة، وكأنه في حاجة الى مزيد من الحيرة والارتباك، هل يطلب قهوة عربية بدون سكر ليعطي انطباعا بشرقيته ومستوى ثقافته كما تصف الأفلام المثقفين دائما؟ ام يطلب قهوة غربية تدل على انه انسان غير تقليدي؟ لماذا يوجد الكثير من أنواع القهوة؟ الم يكن اسهل ان يتفق العالم على نوع واحد من القهوة ويختلفوا فقط على مقدار السكر فيها؟ أعاد القائمة الى مكانها على الطاولة وقرر ان يترك الأمر للصدفة، او ربما يقرر بعد ان تقرر هي، وبهذا يمكنه ان يجد مدخلا للحديث عن نوع القهوة التي تحبها.


رفع رأسه مرة أخرى نحو المدخل، لقد وصلت، وها هي تقترب، ترتدي قبعة من لونين، اسود وابيض، وتتقدم نحوه ببطء وثبات، وهو يحس ان الطاولة تكبر وتكبر، وانها تتحول الى صحراء عليه ان يعبرها سباحة، اقتربت منه، واقترب معها الارتباك اكثر وأكثر، وبدأ في الوقوف تدريجيا لاستقبالها، وابتسم، وبدأت الدقائق التي يريدها ان تصبح العمر كله. 

في فهم العلمانية



يستخدم جزء لا بأس به من الناس كلمة "علماني" للإشارة إلى شخص ما بأنه إنسان غير سوي أخلاقيا ودينيا. ويتم وضع الكلمة، في كثير من الحالات، في سياق سلبي، وإظهار العلمانية بأنها فكر غربي صهيوني ماسوني، هدفه الأساسي معاداة الدين والترويج للانحلال الأخلاقي وطمس هوية الأمة.
لعله من المفيد، وفي إطار الحوار الإيجابي، أن نحاول توضيح مفهوم العلمانية بشكل بسيط بعيد عن المغالطات التي تم ترويجها على مدى عقود، مع التأكيد على أن هذا المفهوم واضح في أغلب مناطق العالم باستثناء منطقتنا. وهو أمر ليس بالغريب، بالنظر إلى الحالة الثقافية والسياسية التي تسيطر على المنطقة.
ببساطة شديدة، فإن العلمانية ليست فكرا من حيث الأساس؛ أي إنها ليست أيديولوجيا، كما أنها ليست دينا. العلمانية هي جزء من نظام إدارة الدولة، وهو نظام مبني، ببساطة، على حماية حق الأفراد والمجموعات داخل المجتمع في اعتناق وممارسة أفكارهم وأيديولوجياتهم وأديانهم طالما كان ذلك في إطار سلمي غير عنيف. وهذا الحق مبني على أساس مبدأ الحق في الاعتقاد، وهو حق تجب حمايته من قبل الدولة. وبالتالي، فعلى من يرى في العلمانية تهديدا للدين أن يعرف تماما أن العلمانية تشكل الضمانة لحق الناس في التدين، وممارسة عباداتهم وشعائرهم الدينية بحرية.
ما يتحدث به البعض بأن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، هو فهم مبسط وغير صحيح. فالمقصود أساسا هو فصل الدين والمعتقد عن التشريع الذي يخضع عادة للتجاذبات السياسية. وفي المجتمعات متعددة الأديان والمذاهب، قد يؤدي الاعتماد على الدين وحده كقاعدة للتشريع إلى نشوء صراعات بين أتباع الديانات المختلفة أو المذاهب المختلفة. فالنصوص الدينية من وجهة نظر أتباعها، هي نصوص مقدسة وغير قابلة للنقاش الجذري، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتجاذبات السياسية. وكما نعلم، فإن التشريع لا يمكن أن يتم إلا إذا خضع النص التشريعي للنقاش والحوار والرفض والقبول والتفاوض، وهو أمر غير ممكن في حالة النصوص الدينية. وفي الوقت ذاته، تؤكد العلمانية على احترام الأديان وحق الناس في اعتناقها وممارستها، وتضمن لهم هذا الحق وتحميه. 
العلمانية لا تأتي منعزلة، فحتى تؤتي ثمارها في إدارة الدولة، يجب أن تكون مرتبطة بالديمقراطية التي تضمن للناس؛ أفرادا ومجموعات، حق المشاركة في إدارة الدولة من خلال ممثلين منتخبين. وهؤلاء يقومون بسن التشريعات التي تراعي مصلحة الدولة والمجتمع والأفراد، في إطار سياسي يسمح بالتعددية والاختلاف، ويسمح كذلك للناس بإعادة تشكيل سلطاتهم التشريعية والتنفيذية بما يتوافق مع مصالحهم واحتياجاتهم. 
لا يوجد مجتمع في العالم يتشكل من لون واحد، فالتنوع والتعدد أساس المجتمعات. والعلاقة بين مكونات المجتمع وشبكة مصالحهم يمكن أن تتحول إلى صراع إذا حاول مكون ما في هذا المجتمع السيطرة على باقي المكونات وفرض أفكاره عليهم. ولذلك، تأتي العلمانية هنا لتضمن حق التنوع، وتأتي الديمقراطية لتضمن حق المكونات المختلفة للمجتمع في إدارة هذا المجتمع.

المرأة والانتخابات مرة أخرى



انتهت الفترة المخصصة لتسجيل المرشحين، ودخلنا الآن في مرحلة الاعتراض والطعون. وللأسف، وكما كان متوقعا، انحصرت مشاركة المرأة الأردنية بهذه الانتخابات في حدودها الدنيا. فعلى الرغم من زيادة عدد المرشحات بأربعة وأربعين سيدة مقارنة بالانتخابات الماضية، وفقا لأرقام أعلنها مراقبون كما الهيئة المستقلة للانتخاب، إلا أن النسبة الإجمالية للسيدات اللاتي ترشحن لم تتجاوز 20 % من إجمالي عدد المرشحين. فنحن نتحدث عن 259 سيدة سجلن أنفسهن كمرشحات لانتخابات مجلس النواب الثامن عشر، أي بمعدل سيدة لكل قائمة تقريبا، مع التأكيد على أن هناك قوائم خلت تماما من وجود مرشحات. وهذا يعني أن النظر إلى ترشح المرأة في هذه الانتخابات بقي محصورا في أنهن مرشحات على مقاعد "الكوتا" النسائية. وتؤكد الدعاية الانتخابية لعدد من القوائم هذا الأمر؛ إذ نجد اسم السيدة في لوحات القائمة وقد كتب إلى جانب اسمها أنها مرشحة عن مقعد "الكوتا" النسائية. 
تخيلوا معي أن أعلى عدد للنساء المرشحات كان في دائرة الزرقاء الأولى. هذا العدد بلغ 21 سيدة، وبما نسبته 21 % فقط من إجمالي المرشحين. وقد تم تسجيل هذا العدد نتيجة وجود قائمة نسائية كاملة. ولو لم تكن هذه القائمة موجودة، فكم سيبلغ عدد السيدات المرشحات؟ فيما سجلت معان العدد الأقل بست مرشحات فقط. 
على الرغم من أن النساء يمثلن حوالي 52 % من إجمالي من يحق لهم الانتخاب في الأردن، إلا أن هذه النسبة لم تنعكس على أرض الواقع عند الترشح، فسيطر الرجال -كما العادة- على المشهد الانتخابي، سواء من حيث العدد أو حتى من حيث ما يمكن أن نسميه ترؤس وقيادة القوائم. واكتفت معظم المرشحات بأدوار ثانوية بلغت حد قبول بعضهن أن يكن مجرد "حشوة" انتخابية. 
أنا شبه متأكد أنه لو لم ينص قانون الانتخاب على تخصيص خمسة عشر مقعدا للسيدات، فإننا قد نجد أنفسنا أمام انتخابات شبه خالية من العنصر النسائي. فسيطرة الرجال على المشهد الانتخابي امتداد لسيطرتهم على المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، حيث على المرأة أن تناضل بكل ما أوتيت من قوة لتضمن لنفسها دورا حتى لو كان بسيطا أو ثانويا. ولذلك نقول، مرة أخرى، إن وجود "الكوتا" النسائية ضمانة لوجود تمثيل نسائي في المجلس، حتى لو كان محدودا.
بكل الأحوال، علينا إدراك أنه لا يوجد في القانون ما يمنع أن تفوز المرشحات بجميع مقاعد مجلس النواب المائة والثلاثين، وأن "الكوتا" النسائية تضمن حدا أدنى لتمثيل السيدات من خلال تخصيص خمسة عشر مقعدا، وأن المرشحة بإمكانها المنافسة على المقاعد العادية وأن تفوز بها، فمشاركتها ليست محصورة في المقاعد المخصصة للنساء. وعلى السيدات المرشحات أن يفكرن جديا بهذا الأمر، وأن يعملن من أجل الفوز تنافسيا، فلا تكون آمالهن محدودة في خمسة عشر مقعدا فقط.

ضمانات إجراء انتخابات نزيهة

الهيئة المستقلة للانتخاب مسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، لكنها ليست مسؤولة عن النتائج وعن خيارات الناخبين والمرشحين. وما هو مطلوب منها أن تضع الإجراءات كافة وتوفر الضمانات لإجراء انتخابات نزيهة بعيدة عن التشكيك والطعن والاتهام بالتلاعب والتزوير.
بكل موضوعية، وضعت "الهيئة"، من خلال التعليمات التنفيذية، آليات جيدة لضمان نزاهة الإجراءات في يوم الاقتراع. ومعظم هذه الضمانات جاء إما استجابة من "الهيئة" للتوصيات التي قدمتها فرق الرقابة المحلية المستقلة، أو للتعامل مع الأسئلة والمخاوف التي يتداولها الناس مع كل انتخابات.
على سبيل المثال، فإن التعليمات التي تنص على عدم نقل الصناديق من غرفة الاقتراع بعد إجراء العد، جاء ردا على المخاوف المتعلقة بإمكانية التلاعب بهذه الصناديق أثناء نقلها من مكان لآخر. وقد سمعنا دائما عن قصص من هذا النوع، يتحدث فيها الناس عن تبديل صناديق كاملة أثناء النقل، لتحويل النتيجة لصالح مرشح معين أو ضد مرشح معين. لذلك، فإن قرار عدم نقل الصناديق وإبقاءها في غرفة الاقتراع بعد عدّ الأوراق، سينهي تماما أي حديث عن التلاعب بالصناديق أثناء النقل.
إجراء آخر لا يقل أهمية، هو عد أوراق الاقتراع أمام الكاميرا. إذ جرت العادة أن تسري إشاعات حول عدم قراءة الاسم الصحيح الوارد في ورقة الاقتراع، وتجيير الورقة من مرشح لآخر. في هذه الانتخابات، سيتم وضع كاميرا خلف الشخص الذي سيقوم بقراءة الأسماء، بحيث يتمكن جميع الموجودين في القاعة من رؤية الأسماء المؤشر عليها في الورقة عبر شاشة موجودة في القاعة، وهو الأمر الذي سينفي تماما أي احتمال تلاعب بالأسماء. 
بالطبع، هناك إجراءات وضمانات أخرى، منها الحبر الخاص الذي ستكون مواصفاته هذه المرة أفضل من ذلك الذي تم استخدامه في انتخابات 2013. وبالتالي، لن يكون ممكنا مسح الحبر أو التخلص منه إلا بعد أيام من يوم الاقتراع. ولا ننسى كذلك العلامات المائية في ورقة الاقتراع، والتي سيبلغ عددها تسع عشرة علامة، وفقا لما صرحت به "الهيئة". وهو ما يعني عدم إمكانية تزوير ورقة الاقتراع. وغير ذلك من الإجراءات التي تحاول "الهيئة" من خلالها القول للناس إن ما سيدخل للصندوق هو تماما ما سيخرج منه، من دون زيادة أو نقصان أو تغيير. 
ومن المهم أيضا أن أشير إلى الدور المهم الذي ستقوم به فرق الرقابة المحلية، والتي تملك من الخبرة المهنية والفنية الشيء الكثير، مما يمكنها من مراقبة مراحل العملية الانتخابية كافة باحترافية، وتزويد "الهيئة" والإعلام والمواطنين وكل المهتمين ببيانات وملاحظات دقيقة وموضوعية، تعزز من الثقة في العملية الانتخابية، وتحدّ من أي محاولات للتلاعب بها. 
بقي أن أشير إلى الدور الذي يجب أن يقوم به المرشحون والناخبون في حماية العملية الانتخابية من أي خروقات ممكنة، وذلك من خلال رفض أي محاولات لبيع وشراء الأصوات، وعدم الرضوخ لأي ضغوضات مهما كان نوعها؛ وأن يمارس الناخب حقه في الاقتراع وفقا لقناعته الشخصية من دون أي تأثير.

مرشحات على "الكوتا"



نسمع، بين فترة وأخرى، أن السيدة الفلانية قررت خوض الانتخابات النيابية على المقاعد المخصصة للكوتا النسائية؛ أو أن قائمة مفترضة تسمي مرشحيها، وعند الوصول إلى اسم السيدة يتم الإعلان أنها مرشحة القائمة للكوتا النسائية. والحقيقة أن هذا الأمر يحمل مغالطات قانونية من حيث المبدأ، كما أنه يحمل نظرة فيها نوع من التمييز ضد المرشحات.
من حيث المبدأ، لا يوجد في القانون ما ينص على الترشح على "الكوتا" إلا فيما يتعلق بالمقاعد المخصصة للمواطنين المسيحيين والشركس والشيشان والبدو، فهؤلاء فقط لا يمكنهم الترشح ودخول الانتخابات إلا للمنافسة على هذه المقاعد. أما المرأة، فهي بالأساس مرشحة على مقاعد التنافس مثلها مثل أي مرشح آخر، ويفترض أن تخوض الانتخابات لتنافس على الفوز بأحد المقاعد التي تحصل عليها قائمتها، فيما مقاعد "الكوتا" النسائية مخصصة للنساء اللواتي لم يحالفهن الحظ بالفوز بمقعد تنافسي.
فعليا، الأمر مستفز. لماذا يتم النظر إلى المرأة وكأنها تكملة عدد، أو أن حقها محصور فقط في خمسة عشر مقعدا؟ بل والأكثر استفزازا إعلان بعض المرشحات أنفسهن أنهن يخضن الانتخابات على أساس "الكوتا" وليس على أساس التنافس؛ لماذا تقبل المرأة بالحصة الأقل والحد الأدنى، مع أن القانون يعطيها الفرصة الكاملة للمنافسة؟
النساء هن الأغلبية في الهيئة الناخبة، بنسبة تبلغ حوالي 53 % من إجمالي الناخبين المسجلين في الكشوفات. ولو أردنا أن نطبق نسبة تمثيل عادلة في مجلس النواب، فيفترض أن يكون أكثر من نصف أعضاء المجلس من النساء. وبهذه النسبة، لا يمكن اعتبار النساء، بأي حال من الأحوال، عنصرا ثانويا في العملية الانتخابية والسياسية، ولا يمكن النظر إليهن بأنهن أقلية ينتظرن عطفنا لمنحهن فرصة المشاركة، فهذا حق صريح لا لبس فيه.
نعلم جميعا أن السبب في تخصيص مقاعد للنساء مرتبط بالعوائق المجتمعية التي تمنع النساء من المشاركة في الحياة العامة، وبالممارسات التي تفضل إعطاء الصوت للمرشح الرجل حتى لو كانت المرأة أكثر كفاءة. ولذلك، وخوفا من الغياب الكامل للنساء عن المجلس، تم وضع حد أدنى لتمثيلهن. وأكرر: حد أدنى؛ أي إن وجود النساء في المجلس يجب أن يبدأ من خمسة عشر مقعدا، ويمكنه أن يصل إلى كامل عدد المقاعد المائة والثلاثين، فلا يوجد في القانون ما يمنع ذلك. 
سيدتي، لا تقبلي أن تكوني مجرد اسم إضافي في قائمة،؛ ولا تقبلي أن تكوني مجرد لاعب احتياط ينتظر موافقة مدرب غير مقتنع بإمكاناته للمشاركة في المباراة لدقائق قليلة؛ ولا تقبلي أن يدعوك أحدهم إلى القائمة إن لم تشاركي في تشكيلها ورسم خططها الانتخابية كعضو أصيل. لا تكوني أمرا ثانويا يا سيدتي.

تأجيل الانتخابات



تابعنا خلال الأيام الماضية، وخاصة على صفحات التواصل الاجتماعي، حديثا لا أساس واقعيا له حول تأجيل الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في العشرين من أيلول (سبتمبر) المقبل. وقد سارع رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب إلى نفي ذلك مباشرة. وعلينا إدراك أن الدستور يلزم بإجراء الانتخابات النيابية في موعد أقصاه أربعة أشهر من تاريخ حل مجلس النواب، وإذا لم تجر هذه الانتخابات يعود المجلس المنحل للانعقاد. وهذا يعني بالتأكيد أنه لا يمكن تأجيل هذه الانتخابات.
لكن هذا الحديث عن التأجيل لا علاقة له بالفترات الدستورية، ولا حتى بقدرة "الهيئة" على إدارة العملية الانتخابية. فأساس هذا الحديث، كما يتضح لأي متابع، هو تلك الفوضى الحاصلة في تشكيل القوائم الانتخابية. إذ حتى الآن، فإن أغلب من أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات لم يتمكنوا من الاتفاق على تشكيل قوائم واضحة المعالم، كما ما يزال الكثيرون منهم يبحثون عن قائمة ينضمون إليها، في ظل إصرار البعض على التعامل مع القانون بعقلية "الصوت الواحد" القديمة، وعدم قدرة الأحزاب على فعل ما يفترض أن تفعله، وهو تشكيل قوائم انتخابية. 
نعلم جيدا أن قانون الانتخاب جديد نوعا ما، وأن إرث الفردية التي سيطرت على حياتنا السياسية بسبب قانون "الصوت الواحد"، ما يزال يمنع الكثيرين من التفكير بشكل جماعي؛ فما تزال عقلية الترشح الفردي هي الطاغية عند الكثيرين، وما تزال فكرة الزعامة مسيطرة على عقول عدد لا بأس به من المرشحين المحتملين. 
كما نعلم أيضا أن هناك عدم ثقة بين المرشحين فيما يتعلق بتبادل الأصوات أو حجبها داخل القائمة الواحدة. وهذا التخوف هو نتيجة غياب برامج سياسية مشتركة وأرضيات يمكن لمرشحين من الاتجاه نفسه أن يقفوا عليها سويا. بل إن الأمر يصبح غريبا عندما يكون هذا التخوف موجودا لدى مرشحين حزبيين يفترض أن لديهم برامج مشتركة، على الأقل في إطارها العام. 
بكل الأحوال، لا يمكن أن نؤجل الانتخابات لأن من ينوون الترشح لم يحسموا أمورهم فيما يتعلق بتشكيل القوائم الانتخابية. فالمشكلة ليست في موعد الانتخاب، وليست كذلك في آلية التشكيل التي نص عليها القانون؛ بل المشكلة -بكل صراحة- تكمن في ممارسات الأشخاص والعقلية الفردية التي تسيطر عليهم، والتي تمنعهم من التحالف على أساس برامجي. 
قلنا سابقا إننا قد لا نرى التغيير المطلوب في هذه الدورة الانتخابية. ويبدو فعلا أن الأمر أصعب مما كنا نتوقع. مع ذلك، علينا جميعا المضي قدما في هذه التجربة، لترسيخ فكرة العمل السياسي الجماعي القائم على مبدأ التحالفات البرامجية والسياسية. وحتى لو لم نر في هذه الدورة الانتخابية قوائم برامجية، فإننا لا بد وأن نراها في الدورة التالية، شريطة أن يتم إصلاح باقي المنظومة التشريعية ذات العلاقة بالعمل السياسي، وعلى رأس ذلك النظام الداخلي لمجلس النواب، بما يسمح بتشكيل كتل حقيقية وفاعلة تحت القبة.

استعصاء تشكيل القوائم الانتخابية



قبل شهر من الموعد الرسمي لتسجيل قوائم المرشحين لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، يبدو أننا نعيش حالة واضحة من الارتباك بين أوساط المرشحين المحتملين؛ تتمثل في استعصاء تشكيل قوائم انتخابية. هذه الحالة يمكن تعميمها على أغلب الراغبين في خوض السباق نحو "العبدلي"، باستثناء حالات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من المرشحين المحتملين الذين تمكنوا فعلا من تنظيم قوائمهم.
لماذا نجد أنفسنا أمام هذه الحالة؟ باعتقادي أن السبب الأول يكمن في عدم وضوح فكرة القوائم لدى عدد لا بأس به من المرشحين الذين ما تزال تسيطر عليهم عقلية الترشح الفردي التي جرت على أساساها الانتخابات كافة منذ العام 1989، ولم يتمكنوا من الخروج من هذا الإطار. 
ورغم محاولات الهيئة المستقلة للانتخاب، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، لتوضيح فكرة القوائم، فإنه من الملاحظ أن حداثة التجربة تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي الذي تسوده حالة من التشتت أساسا. وبالتالي، ما يزال العديد من المرشحين المحتملين يتعاملون مع الحدث الانتخابي المرتقب كما كانوا يتعاملون مع أي انتخابات سابقة. 
السبب الثاني، هو التخوف الموجود لدى عدد من المرشحين من عدم قدرتهم على ضمان حصولهم على أصوات من شركائهم في القوائم، أو ما يسمى في الشارع الانتخابي "حجب الأصوات" بين المرشحين في القائمة الواحدة. هذا التخوف هو نتيجة طبيعية لعقود من ممارسة الفردية السياسية التي عززتها الأنظمة الانتخابية المتلاحقة منذ العام 1993، والتي اعتمدت نظام "الصوت الواحد" والدوائر الصغيرة ذات المقاعد المتعددة. لذلك، يبحث كل مرشح عن شركاء "مضمونين"، ولديهم الاستعداد لدعم شركائهم في القائمة. 
نتيجة هذا التخوف ونتيجة الخوف من آلية احتساب عدد المقاعد، يسعى بعض المرشحين الأقوياء إلى تشكيل قوائم لا تحتوي على شركاء أصحاب وزن انتخابي قوي؛ أي إن البعض يريد فعليا خوض الانتخابات منفردا، لكن من خلال قائمة لا تحتوي على منافسين. وهذا الانطباع يقف حائلا أمام تشكيل شراكات حقيقية وقوية.
سبب آخر يمكن أخذه بعين الاعتبار، هو أن معظم الأحزاب السياسية، باستثناء حزبين أو ثلاثة، والتي يفترض أن تكون الأكثر جهوزية لخوض تجربة القوائم، تجد نفسها (الأحزاب) أمام الواقع الذي طالما أنكرته، والمتمثل في عدم وجود ثقل حقيقي لها على الأرض، وبالتالي عدم قدرتها على تشكيل قوائم خاصة بها، والأهم عدم قدرتها على التعاون فيما بينها لتشكيل قوائم مشتركة. 
ولا يمكن أن نتجاهل هنا الدور الذي يلعبه المال في تشكيل القوائم الانتخابية؛ إذ يسعى بعض المرشحين المحتملين من أصحاب المال إلى تكوين قوائم خاصة بكل واحد منهم، وتعبئة خانات هذه القوائم من خلال مرشحين موالين لهم وليسوا من أصحاب الوزن الانتخابي الثقيل. وفي المقابل، يقوم أصحاب المال بتحمل تكاليف خوض هذه الانتخابات، بل إن الحديث في بعض الحالات يصل إلى عرض مبالغ مالية على الآخرين لقاء الدخول في القائمة من دون شراكة حقيقية أو دور فعلي لهؤلاء المرشحين. 
الأصل في نظام القوائم الانتخابية أن يكون حافزا في تجميع المرشحين أصحاب البرامج المتقاربة، وخوض الانتخابات على أساس برامجي. لكن ما يحدث لغاية الآن، مثير للقلق؛ إذ ما تزال السطوة للمال والروابط العشائرية والمناطقية، وهذا تماما عكس المأمول من قانون الانتخاب الجديد. ومع تشبثنا بالأمل في تشكيل قوائم برامجية وسياسية خلال الفترة المقبلة، وإدراكنا لحداثة التجربة، إلا أنه يجب أن نعترف أننا ندفع الآن ثمن عقود من ممارسة الانتخابات وفق أنظمة عززت الفردية والاعتبارات ما دون الوطنية. ولعل انتخابات هذا العام تكون تجربة مفيدة لتطوير النظام الانتخابي مستقبلا، بشكل ينقل الانتخابات من حدث اجتماعي إلى حدث سياسي بامتياز.

"داعش" يتفرق



تزايد العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم "داعش" مؤخرا، هو دليل واضح على المأزق الذي يعيشه التنظيم نتيجة تعرضه لخسائر وانتكاسات عسكرية وتنظيمية في المواقع التي يسيطر عليها والتي تم طرده منها، نتيجة الجهود العسكرية المختلفة. 
فالتنظيم الذي يجد نفسه الآن بين فكي كماشة في سورية والعراق، يبحث عن فتح ثغرات تخفف الضغط الكبير الواقع عليه، وذلك من خلال تنفيذ عمليات إرهابية دموية في مناطق لا تخضع لسيطرته، كما حدث على حدود الأردن في منطقة "الركبان"، وفي مطار اسطنبول مؤخرا، وفي بلدة القاع اللبنانية؛ حيث يحاول "داعش" التخفيف عن نفسه والظهور بمظهر التنظيم القوي القادر على الوصول إلى أعدائه في أماكن وأزمنة متفرقة. 
حقيقة الأمر أن "داعش" يعاني على مستويين. الأول، هو المستوى العسكري؛ إذ تلقى التنظيم ضربات موجعة على أرض المعركة في العراق وسورية، إضافة إلى الضربات الجوية التي يوجهها له التحالف الدولي. وهذه الضربات أدت إلى أن يفقد التنظيم سيطرته على أراض كان يحكمها، وخسارته لعدد ليس بالقليل من المقاتلين والمعدات الحربية. ولذلك يحاول إثبات أنه ما يزال قوة يحسب لها حساب من خلال هذا النوع من العمليات. 
المستوى الثاني، مرتبط بهيكلة "داعش" وتنظيمه الداخلي، والذي بات من الواضح تعرضه لتصدعات كبيرة، خاصة مع مقتل أو هروب عدد من قياداته في المناطق المختلفة، إضافة إلى هروب جماعي لأعداد من مقاتليه أو استسلامهم أو مقتلهم في العمليات العسكرية. يضاف إلى ذلك عدم وضوح مصير قيادات عالية المستوى، منهم البغدادي، ما يؤثر على ولاء المقاتلين على الأرض الذين لا يعرفون الآن إن كانت قياداتهم ما تزال فعلا موجودة أو تمت تصفيتها. 
في المراحل الأخيرة من عمر أي تنظيم إرهابي، لا بد أن تزداد وحشيته ويتحول من جهة تقوم بتنفيذ عمليات مخطط لها، إلى تنظيم مبعثر يقوم بتنفيذ عمليات عشوائية لامركزية. وهذا تماما ما حصل مع تنظيم "القاعدة" الذي كان يسيطر على أفغانستان، ومن ثم غير تكتيكه بعد أن تعرض لضربات موجعة؛ إذ تحول من تنظيم مركزي إلى شبكة غير مركزية وغير مترابطة. وتكرر الأمر نفسه مع تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، خاصة بعد مقتل زعيمه أبو مصعب الزرقاوي؛ إذ تحول من تنظيم متماسك إلى مجموعات متفرقة تقوم بأعمال إرهابية غير مترابطة.
إذن، نحن أمام حالة تسبق حالة الانهيار. والمطلوب الآن تكثيف الضغط العسكري على هذا التنظيم الإرهابي، من دون إهمال احتمالية وقوع هجمات متفرقة هنا أو هناك. كما لا ننسى ضرورة التعامل الذكي مع عناصر التنظيم الفارين من أرض المعركة، بحيث يتم الاستفادة من هروبهم لإظهار انهيار التنظيم أمام حواضنه الشعبية، بما يؤدي إلى فقدان الثقة بقدراته وبالتالي التخلي عنه وعن حمايته أو مده بيد العون ممن يتعاطفون معه أو يخافون منه.

مناطق عازلة

عندما يتعلق الأمر بالمناطق الحدودية، فإن على الأردن أن لا يخلّ بالتزامين: الأول، هو الالتزام بأمن الأردنيين وسلامتهم، وحماية الأرض الأردنية. والثاني، هو الالتزام الأخلاقي الذي طالما انتهجه الأردن، بتوفير الحماية والملاذ للاجئين الهاربين من ظروف الحرب والقتل والدمار في سورية.
التوفيق بين الالتزامين ليس بالأمر الهين في ظل وجود عصابات إرهابية تنتهز أي فرصة أو ثغرة للانقضاض على الأردن وتصفية حسابها معه، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها تلك العصابات كجزء من الحرب المشروعة على الإرهاب، وكذلك محاولة تلك العصابات، وبالتحديد تنظيم "داعش"، فتح جبهات على الحدود الأردنية للتخفيف من الضغط الواقع على التنظيم في سورية والعراق. مع ذلك، أثبت الأردن قدرته على التعامل مع هذه المعادلة الصعبة خلال السنوات الماضية؛ فاستقبل اللاجئين، وحمى حدوده بكل اقتدار. 
مع ذلك، علينا إدراك أن الأمور في الفترة الحالية لم تعد كالسابق؛ فهناك آلاف الأشخاص ينتظرون خلف الحدود بانتظار الدخول إلى الأراضي الأردنية طلبا للجوء. وقد أكدت التقارير الأمنية سابقا، والعملية الإرهابية الجبانة ضد جيشنا مؤخرا في "الركبان"، أن بين العالقين على الحدود عدد من الإرهابيين والمتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية. كما أن التقدم الذي تحرزه القوات العراقية وقوات التحالف الدولي والقوات الكردية وحتى قوات النظام السوري ضد "داعش" عسكريا، يعني بالضرورة ارتفاع احتمال تدفق المزيد من اللاجئين نحو المناطق الحدودية، ويعني أيضا ارتفاع احتمال تنفيذ هجمات إرهابية في هذه المناطق.
الأردن الذي تحمّل الكثير في الفترة الماضية، ليس مضطرا لتحمل الكلفة الأمنية الباهظة التي قد تترتب على التطورات الأخيرة. ومن غير المنطق أن يطالب أي كان الأردن بفتح حدوده من دون حسيب أو رقيب؛ فأمن الوطن والمواطن أولوية يتفق عليها جميع الأردنيين، وهي ليست قضية قابلة للمساومة تحت أي ظرف من الظروف. 
هنا فإن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته تجاه الأردن وأمنه، وتجاه اللاجئين الذين لا ذنب لهم في ما يحصل؛ فهم في المحصلة ضحايا حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وعليه، فإن المجتمع الدولي مطالب بتدخل فوري، وعلى أكثر من مستوى، لدعم الأردن اقتصاديا وبشكل فوري، بما يمكنه من تحمل التكاليف الاقتصادية الناتجة عن اللجوء والاستمرار في تقديم الخدمات للمواطن الأردني واللاجئ. مع التأكيد أن الدعم الاقتصادي يجب أن يتجاوز فكرة كلف الخدمات الأساسية والبنى التحتية، إلى دعم يمكّن الاقتصاد الأردني من التقدم إلى الأمام، وخلق فرص عمل، وتحقيق تنمية تنعكس إيجابا على الأردنيين وعلى كل من يقيم على الأراضي الأردنية. أما أن يقتصر الحديث على دعم لتغطية تكاليف بعض الخدمات الأساسية، ففي ذلك إجحاف بحق الأردن والأردنيين واللاجئين. 
ومن الناحية الأمنية، لا بد من دعم الأردن ماليا وعسكريا لإقامة مناطق عازلة على الجانب الآخر من الحدود، بحيث تكون هذه المناطق خط دفاع عن أمن الحدود الأردنية في مواجهة أي محاولة إرهابية كتلك التي حصلت مؤخرا في منطقة الركبان. كما يمكن استغلال هذه المناطق العازلة لاستقبال اللاجئين وتوفير الخدمات لهم من دون أن يتدفق الآلاف منهم نحو الحدود الأردنية. وهذا يوفر الفرصة للقيام بالتدقيق الأمني والتأكد من عدم وجود عناصر إرهابية بين اللاجئين، وفي الوقت ذاته يمكن الأردن والمجتمع الدولي من تقديم الخدمات الإنسانية لهم. 
المناطق العازلة خيار مشروع من قبل الأمم المتحدة في حالات الحرب، ومن خلاله يمكن تحقيق توازن بين الواجب الأمني المتمثل في حماية الحدود، والواجب الإنساني في استقبال وحماية اللاجئين. لكن من المهم التأكيد مرة أخرى أن الأردن غير مضطر لتحمل هذه الكلف العالية وحده، وأن على المجتمع الدولي ودول المنطقة أن تتحمل مسؤولياتها تجاهه.

حملات انتخابية مخالفة

منذ الإعلان عن موعد الانتخابات النيابية، بدأ بعض الراغبين في الترشح التحرك معلنين نيتهم خوض السباق الانتخابي. إلى هنا لا يبدو أن هناك مشكلة، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع هو أن بعضا من هؤلاء بدأ فعلا حملته الانتخابية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. واستغل بعضهم شهر رمضان لتدشين حملته من خلال توزيع الطرود الغذائية والأموال على المواطنين، أو بشكل أكثر دقة "على الناخبين".
القانون يمنع تماما أي حملة انتخابية قبل تسجيل المرشحين. ويحدد القانون والتعليمات مدة الحملة الانتخابية، بل وسيكون هناك تحديد لسقفها المالي. كما تتناول التشريعات موضوع المخالفات في الحملات الانتخابية، ومنها توزيع الهدايا العينية والمالية. مع ذلك، لا يتردد كثيرون في مخالفة النصوص التشريعية كافة، ضاربين بها عرض الحائط، وغير قلقين من أي محاسبة أو ملاحقة قانونية. 
نعلم جميعا مدى صعوبة ضبط مثل هذه المخالفات؛ فلا يوجد في القانون ما يمنع أي مواطن من توزيع المساعدات على الناس، خاصة في شهر رمضان الكريم. كما أنه لا يمكن الربط بين هذه المساعدات والحملة الانتخابية للمرشح المفترض، إلا إذا أعلن هذا المرشح أن المساعدات التي يقدمها هي فعلا جزء من حملته الانتخابية، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحصل. 
رغم ذلك، فإن على الجهات كافة ذات العلاقة بالعملية الانتخابية، وعلى رأسها الهيئة المستقلة للانتخاب، وبدعم من الحكومة والمجتمع المدني، القيام برصد مثل هذه الحملات، للتأكد من عدم مخالفتها للتشريعات الانتخابية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمعاقبة كل مخالف، ومحاولة الحد من هذه الظاهرة التي تعتبر شراءً غير مباشر لأصوات الناخبين. 
كما تجدر الإشارة إلى أن عددا من المرشحين المفترضين بدأوا فعلا بإعلان نيتهم الترشح، من خلال إعلانات مدفوعة على بعض المواقع الإلكترونية، وإرسال رسائل نصية إلى المواطنين عبر الهاتف، وتوزيع مطبوعات تشير صراحة إلى نيتهم الترشح. كذلك، هناك نشاط واضح لعدد منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، معلنين نيتهم الترشح، بل ويطالبون بدعم الناخبين منذ الآن. وهذه مخالفات صريحة وواضحة للتشريعات الانتخابية، يجب أن لا تمر مرور الكرام.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ بعض المرشحين المفترضين عقد اجتماعات ترويج لأنفسهم في مقرات الجمعيات والروابط العائلية، وبدأوا طرح برامجهم الانتخابية ومحاولة حشد الأصوات من الآن. ويدخل ذلك في باب الحملات الانتخابية المخالفة. 
مرة أخرى أؤكد أن التعامل مع مثل هذه المخالفات ليس بالأمر السهل؛ في ظل صعوبة إثباتها. إلا أن على الهيئة المستقلة للانتخاب والمؤسسات كافة ذات العلاقة، وفي إطار فهمها للمجتمع وقدرتها على الرصد، أن تبدأ فورا حملة للتعامل مع هذه المخالفات، لوضع الأمور في نصابها، وإرسال رسالة إلى الجميع بأن القانون والتشريعات ستكون قيد التطبيق من دون هوادة. هذه الرسالة ستكون عاملا مهما في التأكيد على قدرة "الهيئة" على تنظيم انتخابات خالية من الشوائب.

الملقي في "الهيئة"



حسنا فعل رئيس الوزراء د. هاني الملقي، عندما توجه فورا بعد أداء اليمين الدستورية إلى مقر الهيئة المستقلة للانتخاب، برفقة وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة، ووزير الإعلام د. محمد المومني. فالانتخابات النيابية الآن على قائمة سلم الأولويات السياسية في البلاد، وزيارة الحكومة للهيئة تأكيد على التقاطها لأحد أهم نقاط كتاب التكليف السامي؛ والحديث هنا عن التعاون مع "الهيئة" لإنجاح العملية الانتخابية.
ملف الانتخابات سيكون أحد المؤشرات على عمر حكومة الملقي؛ فاذا نجحت في توفير الدعم اللازم للهيئة للوصول إلى انتخابات ناجحة، فإن ذلك يعني زيادة فرص بقاء الملقي في "الدوار الرابع" لفترة تمتد إلى ما بعد الانتخابات النيابية التي ستجرى في أيلول (سبتمبر) المقبل. أما إذا لم تتعامل الحكومة مع هذا الملف بالطريقة الصحيحة، فإنها قد تكون حكومة تصريف أعمال، لمدة أربعة أشهر لا أكثر. 
نجاح الانتخابات يعتمد على وجود علاقة صحية وصحيحة بين الحكومة و"الهيئة". وأساس هذه العلاقة هو احترام الحكومة لاستقلال "الهيئة" التزاما بالدستور، والقوانين التي تلزم الحكومة نصا بتوفير كل ما تطلبه "الهيئة" من دعم بما في ذلك التنسيق بين "الهيئة" ووزارة الداخلية عند وضع الخطة الأمنية. 
العلاقة بين الحكومة و"الهيئة" فيها العديد من الملفات، بدءا من الملف اللوجستي؛ إذ إن الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها هي الرافد الأكبر للهيئة المستقلة بالكوادر التي ستعمل على الأرض في يوم الاقتراع، والمتوقع أن يصل عددهم لأكثر من أربعين ألف شخص. هؤلاء في غالبيتهم سيكونون موظفي حكومة، سيتم انتدابهم للعمل مع "الهيئة" كأعضاء لجان ومراكز وغيره. وهنا من المهم أن يكون هؤلاء المنتدبون على معرفة كاملة بأن "الهيئة" هي مرجعيتهم القانونية والإدارية خلال فترة انتدابهم. 
ملف التوعية والمشاركة هو من الملفات المهمة التي يجب أن تساند فيه الحكومة "الهيئة". فرغم أن "الهيئة" ستقوم بحملة توعية حول القانون والإجراءات وحث الناخبين على المشاركة، إلا أن هناك دورا كبيرا ومهما يقع على عاتق الحكومة في هذا الشأن. فوزارتا الإعلام والشؤون السياسية والبرلمانية بالتحديد، يجب أن تكونا على تنسيق كامل مع "الهيئة" في الجانب الإعلامي والتوعوي، بحيث تكون الجهود تكاملية ومتناسقة. 
الملف الثالث في العلاقة بين الحكومة و"الهيئة"، يتمثل في دور وزارة الشؤون البلدية والمؤسسات الرسمية المستقلة، مثل أمانة عمان والبلديات، في التعامل مع المخالفات أثناء الحملات الانتخابية. وللأسف، فإن التجربة على أرض الواقع في هذا الشأن لم تكن إيجابية في الانتخابات كافة التي أدارتها "الهيئة" منذ انتخابات 2013 وما تلاها من انتخابات تكميلية في عدد من الدوائر. فالتعاون من قبل هذه الجهات مع "الهيئة" لم يصل إلى المستوى المأمول، ولم تقم هذه الجهات بالاستجابة لطلبات "الهيئة" في كثير من الحالات التي شهدت وجود دعاية انتخابية مخالفة تستوجب الإزالة. وهنا لا بد من تذكير وزارة الشؤون البلدية وأمانة عمان والبلديات، بأنها ملزمة قانونا بالاستجابة لطلبات "الهيئة"، بموجب الفقرة (أ) من المادة الخامسة من قانون الهيئة المستقلة للانتخاب، والفقرة (ب) من المادة (22) من قانون الانتخاب. 
أما فيما يتعلق بالخطة الأمنية أثناء الانتخابات، فإن الفقرة (ب) من المادة الخامسة من قانون "الهيئة" تؤكد على وضع هذه الخطة بالتنسيق بين "الهيئة" ووزارة الداخلية. والخطة الأمنية هنا تتجاوز تأمين مراكز الاقتراع، إلى التعامل مع الجرائم الانتخابية كافة التي يمكن أن تحدث، وخاصة جرائم شراء الأصوات أو الضغط على الناخبين أو التعرض لهم. ويجب أن تكون الخطة الأمنية شاملة لكل السيناريوهات التي يمكن أن تنشا نتيجة اتخاذ قرارات قد ينتج عنها توقيف مرشحين أو مناصرين لهم، بحيث تتحمل الحكومة مسؤوليتها في التعامل مع أي محاولات لإحداث شغب أو تعطيل الاقتراع نتيجة هذه القرارات.
أعود مرة أخرى لزيارة د. الملقي لمقر الهيئة المستقلة للانتخاب، والتي لا يمكن تقييمها إلا بأنها خطوة إيجابية. لكنها كانت لتكون أكثر قوة وإيجابية لو رافق كل من وزير الداخلية ووزير الشؤون البلدية دولة الرئيس في هذه الزيارة.

هويتنا المتنوعة



في كلمته للشعب الأردني بمناسبة عيد الاستقلال ومئوية الثورة العربية الكبرى، أشار جلالة الملك بوضوح إلى التعدد باعتباره قيمة أساسية من قيم الدولة الأردنية. 
هذه الكلمة ليست مجرد مصطلح رويتني أو إنشائي، بل هي قيمة جوهرية مرتبطة بتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا؛ هي قيمة تؤكد أن وحدتنا في تنوعنا، وقوتنا في تعددنا، وأن أي محاولة لتحويلنا جميعا إلى نسخ مكررة هو أمر يتناقض مع المنطق ومع قيم الدولة الأردنية.
الدولة الأردنية، ومنذ نشأتها، كانت حاضنة لخليط جميل من الأعراق والديانات والثقافات، وامتزجت مكوناتها الاجتماعية فيما بينها مشكّلة حالة جميلة من التنوع المبني على العيش المشترك ووحدة المصير. وأرسى الآباء الأوائل هذه القيم في مجتمعنا الأردني من دون تخطيط مسبق، إذ إنهم تصرفوا بعفوية وإنسانية ومنطق فشكلوا لنا هوية أردنية جامعة ومليئة بالألوان.
قيمة التعددية لا يمكن أن تقتصر فقط على الجوانب الاجتماعية والثقافية، بل يجب أن تمتد إلى الجانب السياسي، بحيث نرى مواقف سياسية متنوعة، وأحزابا تمثل التيارات السياسية كافة، تختلف أو تتآلف فيما بينها مشكّلة جبهات سياسية تقود إلى تشكيل حكومات لها برامج واضحة، ومعارضة لها أيضا برامج واضحة.
التعددية تعني أن لا يطغى مكون على الآخر، وأن يكون لكل مكون الحق الكامل في التعبير عن نفسه داخل الإطار المجتمعي. والتعددية تعني عدم إقصاء الآخر لأنه أضعف، أو لأنه مختلف فقط مع الطرف القوي.
التعددية أساس قوي ومتين لمجتمع متماسك. وقد شهدنا تجارب العديد من الدول التي حاول البعض فيها فرض لون واحد على المجتمع، فكانت النتيجة انقسامات وصراعات واستقطابات ومخاوف متبادلة. على الطرف الآخر، تمكنت الدول التي احترمت التعددية من أن تحمي كيانها ومجتمعها، بل أكاد أجزم أن الدول لا يمكن أن تصل إلى مصاف الدول المتقدمة إذا لم تحقق شرط التعددية الحقيقية.
وحتى نكون واضحين، فإن التعددية لا تعني بأي حال من الأحوال المحاصصة، بل إن الأخيرة عكس الأولى. والدول التي تلجأ إلى خلق تقسيمات بين المجموعات المختلفة، لا بد أن تصطدم يوما بما صنعته واعتبره البعض حقا مكتسبا.
بالعودة مرة أخرى إلى موضوع الهوية، فعلينا أن نصل لقناعة راسخة بأن الهوية الوطنية الأجمل والأقوى هي تلك التي لا تطمس أي مكون، بل هي التي تعتمد في تشكلها على الاختلاف في الثقافة والتعليم وغيرهما.

باب العضوية المغلق في أنديتنا



يعرّف نظام ترخيص الأندية والهيئات الشبابية "النادي" بأنه مؤسسة أهلية تمارس نشاطا رياضيا ثقافيا اجتماعيا. ويؤكد النظام على عدم جواز رفض طلبات العضوية المستوفية للشروط، وأن على الهيئة الإدارية للنادي في حال رفضت أي طلب عضوية، القيام بذكر أسباب الرفض خطيا لمقدم الطلب خلال ثلاثين يوما، مع ضمان حق مقدم الطلب في الاعتراض على هذا الرفض.
هذا هو النص القانوني. أما ما يحدث على أرض الواقع، فهو أمر مختلف تماما؛ إذ تتفنن إدارات العديد من الأندية في إيجاد المبررات والطرق لغلق باب العضوية في وجه الراغبين فيها. فتارة يتم تحديد متطلبات إضافية لجعل طلب العضوية أمرا مزعجا ومملا؛ وتارة يتم فرض رسوم مالية مرتفعة؛ وفي أحيان أخرى كثيرة لا يتم استقبال الطلبات من الأساس، وفي حال استلامها تقوم هذه الهيئات الإدارية بالمماطلة في عملية الرد بالموافقة أو الرفض. 
تقوم الهيئات الإدارية في عدد من الأندية بذلك تحت مبررات عدة. إلا أن جميع هذه المبررات ما هي إلا حجج واهية لإبعاد الناس عن عضوية النادي، بحيث تظل مقاليد النادي تحت سيطرة مجموعة أو مجموعتين على الأكثر، يتنافس أعضاؤها على قيادة النادي فيما بينهم، ولا يعطون أي فرصة لأي منافسين جدد. ولذلك، يجب أن لا نستغرب بقاء رؤساء أندية في مناصبهم لعقود من الزمن، أو بقاء كرسي الرئاسة حكرا على عائلة واحدة تسيطر على النادي، أو أن يكون التنافس على مقاعد الهيئة الإدارية محصورا في عدد معين من الأشخاص يتبادلون المواقع فيما بينهم.
لا يتعارض هذا السلوك داخل العديد من أنديتنا مع النصوص القانونية فحسب، بل إنه يخلّ بالمبدأ الذي نشأت هذه الأندية على أساسه، وهو أن تكون المكان الذي يمارس فيه محبو النادي أنشطتهم الثقافية والاجتماعية والرياضية. والأكثر خطورة من ذلك أن ضعف الهيئة العامة في أي ناد، يعني بالضرورة ضعف الرقابة على الهيئة الإدارية، ما قد يكون بوابة لحدوث مخالفات إدارية أو مالية، بقصد أو من دون قصد.
الأندية يجب أن تكون ملكية عامة، ولا يجوز أن تكون حكرا لشخص بعينه أو عائلة أو مجموعة من المتنفذين داخل النادي، فهذا يتعارض تماما مع الهدف من تأسيسها ابتداء. كما أنه يتعارض مع مبادئ الشفافية والحكم الرشيد التي يجب أن تحكم عمل هذه الأندية. وكذلك يكرس سياسات إقصاء الآخر الذي قد يحمل وجهة نظر مختلفة في كيفية إدارة النادي.
على المجلس الأعلى للشباب اتخاذ خطوات حازمة فيما يتعلق بفتح باب العضوية أمام الراغبين فيها، وأن يكون هذا الباب مفتوحا طوال الوقت وليس بشكل موسمي أو بناء على رغبة الهيئة الإدارية والمتنفذين في الأندية. وباختصار، فإن على المجلس الأعلى للشباب تطبيق النصوص القانونية، وتمكين الناس من ممارسة حقهم في الانتساب للأندية، وأن يقوم بإنزال العقوبات القانونية على كل من يخالف الأنظمة والتعليمات.

الكلالدة وفريقه!

لم يكن تنصيب د. خالد الكلالدة رئيسا لمجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب مفاجأة كبيرة، على الرغم مما سبق هذا التعيين من سيناريوهات تضمنت العديد من الأسماء. بل إن الحديث عن تولي الكلالدة لهذا المنصب بدأ حتى قبل أن يتقدم أعضاء مجلس مفوضي الهيئة السابق باستقالاتهم. ولذلك، فإن الحديث لم يكن عن اسم رئيس الهيئة الجديد، بقدر ما كان عن أسماء بقية المفوضين، وهو الأمر الذي لم يتمكن أحد من التكهن به حتى لحظة إعلان الأسماء.
لا خلاف على أن الكلالدة سياسي محنك وذكي وصلب ومتمرس، سواء عندما كان خارج الحكومة أو بعد أن دخلها. ولا خلاف على أن وزير الشؤون السياسية السابق هو أحد أكثر العارفين بتفاصيل قانون الانتخاب الجديد، بحكم أنه ساهم في صياغته والترويج له والدفاع عنه. وللتاريخ، فإن الرجل كان من أنصار القانون بصيغته الحالية قبل أن يدخل الحكومة وعندما كان في مصاف المعارضة، بل يذهب بعض المراقبين إلى القول إن الكلالدة دخل الحكومة خصيصا من أجل هذا القانون. 
لكن خبرة الكلالدة السياسية والفنية لا تعني أن الطريق أمامه مفروشة بالورود؛ فالعمل من أجل إقرار قانون ما شيء، وتطبيقه على أرض الواقع شيء آخر تماما، خاصة عندما نتحدث عن قانون الانتخاب الذي لا يمكن تطبيقه بمعزل عن كم كبيرة من التشريعات اللاحقة له؛ من أنظمة وتعليمات يجب أن لا تراعي فقط نصوص القانون والدستور، بل يجب أن تقترب أيضا حد التطابق من المعايير الدولية المتعارف عليها لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وعادلة. وحتى هذه الحزم التشريعية لن تكون كافية إذا لم تتوفر الأدوات الصحيحة لإنفاذها، وبما يشمل كوادر الهيئة المستقلة للانتخاب، والعلاقات بين "الهيئة" وباقي مؤسسات الدولة المعنية بالعملية الانتخابية، كما علاقة "الهيئة" بمؤسسات المجتمع المدني الوطنية والدولية المعنية بالشأن الانتخابي. 
ولعل نقطة البداية يجب أن تكون في توفر الانسجام الكامل بين أعضاء مجلس مفوضي "الهيئة"؛ فهذا المجلس هو المسؤول، أولا وأخيرا، عن رسم السياسات العامة للهيئة، وإقرار حزم التعليمات التنفيذية، واتخاذ كل القرارات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية. ولا يمكن بالتأكيد الاعتماد كليا على قدرات رئيس "الهيئة" وحيدا، ولذلك يجب أن تصل حالة الانسجام داخل مجلس المفوضين إلى أعلى مستوياتها، وبأسرع وقت ممكن لضمان تسيير العملية الانتخابية بكل مراحلها واستحقاقاتها بسلاسة ويسر.
الأمر الآخر المهم يتعلق بكوادر "الهيئة" التي ستطبق القانون والتعليمات على أرض الواقع. ومع تأكيدنا على وجود كوادر ممتازة في "الهيئة"، إلا أن هذا لا يعني عدم الحاجة المستمرة إلى التدريب والتطوير، خاصة ونحن نتحدث عن نظام انتخابي جديد. وهنا علينا الأخذ بعين الاعتبار تطبيق هذه الكوادر للمراحل المختلفة في العملية الانتخابية، ومنها تسجيل المرشحين، وإدارة مرحلة الحملات الانتخابية، وصولا إلى يوم الاقتراع، ومن دون أن ننسى حملات التوعية والتثقيف المطلوبة في هذه الانتخابات بشدة. 
وحتى لو كانت "الهيئة" دستوريا هي الجهة المسؤولة عن إدارة الانتخابات والإشراف عليها، فإنها لن تتمكن من تنظيم انتخابات جيدة إذا لم يكن هناك تعاون على كل المستويات بينها وبين أجهزة ومؤسسات الدولة الأخرى، فدعونا لا ننسى أن الكوادر البشرية التي ستعمل على الأرض، وخاصة يوم الاقتراع، هي كوادر منتدبة من وزارات أخرى. كما أن التعامل مع المخالفات الانتخابية يكون من خلال الأجهزة الأمنية والحكام الإداريين والبلديات، ولذلك فإن التنسيق الإلزامي مطلوب حتى لا يتكرر بعض مما حدث في الانتخابات السابقة، حين اشتكت "الهيئة" نفسها من ضعف استجابة بعض مؤسسات الدولة لطلباتها. 
بقي أن نقول إن أي انتخابات في العالم لا يمكن أن تكتسب قدرا عاليا من النزاهة والعدالة إذا لم يكن هناك دور فعال لمؤسسات المجتمع المدني، خاصة في عمليتي المراقبة والتوعية. وقد أثبتت التجارب السابقة حرص "الهيئة" والمجتمع المدني على التعاون من أجل تجويد العملية الانتخابية وزيادة ثقة الناخبين بها. 
كل ما سبق ينتظر عملا كبيرا من رئيس "الهيئة" الجديد وفريقه. وهو عمل شاق ومليء بالتحديات، كما أنه أيضا زاخر بالفرص، وأعتقد أن فرصة إجراء انتخابات تاريخية كما وصفتها الحكومة، قائمة إذا كانت الأطراف المعنية كافة على أتم الاستعداد سياسيا وفنيا.

إرث الحكومة



قريبا سترحل حكومة الدكتور عبدالله النسور ولا يهم ان كنا نتحدث عن اسابيع او اشهر، فكيف سيتذكر الأردنيون هذه الحكومة وما هو إرثها الذي ستتركه للحكومة اللاحقة؟ 
ربما ننصف الحكومة لو تحدثنا عن الجانب السياسي فيها، فبشكل عام تقدمت الحكومة الى مجلس النواب بحزمة تشريعات سياسية ايجابية وخاصة عند الحديث عن قوانين الانتخابات واللامركزية والبلديات والاحزاب، وبالتالي يمكن الحديث هنا عن ارضية تشريعية يمكن البناء عليها وتطويرها الى ما هو افضل. 
إلا اننا بالتأكيد لا يمكن ان نعطي نفس التقييم الايجابي للأداء الاقتصادي للحكومة، فالمؤشرات الاقتصادية باغلبها ليست في صالحها، والسياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها لم تؤت ما هو مأمول منها كما يرى العديد من المراقبين وخاصة في ظل ما أطلقه رئيس الوزراء في العام 2011 من تصريحات حول مدى اهمية القرارات الاقتصادية الصعبة لانقاذ الاقتصاد الأردني، وهنا من حقنا ان نسأل هل انقذت الحكومة اقتصاد البلاد فعلا ام ان كل ما حصلنا عليه هو زيادة في الاسعار والمديونية والبطالة ومعاناة الناس؟ مع التأكيد على ان اغلب الجهود الايجابية في المجال الاقتصادي كانت جهودا ملكية بامتياز. 
أما على مستوى الحريات والحقوق الاساسية فقد اتسم اداء الحكومة بالتناقض، ففي الوقت الذي قدمت الحكومة خطة وطنية شاملة لحقوق الانسان يمكن النظر اليها بإيجابية، فإنها ايضا قامت بعدد من الممارسات التي تتعارض مع المبادئ الاساسية لهذه الحقوق والخطة نفسها، وكان ذلك واضحا من خلال التضييق على الاعلاميين والناشطين والمجتمع المدني في عدد من الحالات، ويبدو ان الحكومة مصرة على ترك بصمة سلبية جديدة في هذا المجال من خلال مسودة قانون الجمعيات الجديد الذي لا يمكن تقييمه بإيجابية بشكل عام. 
كذلك لا يمكن اغفال بعض الخطوات الجيدة هنا وهناك ومنها على سبيل المثال التعليمات الخاصة بابناء الاردنيات وبعض التعديلات التشريعية ذات العلاقة بتمكين المرأة على الرغم من اننا نحتاج الى عمل كبير في هذا الاتجاه حيث ما تزال هناك تشريعات كثيرة يمكن تصنيفها كمعيقات أمام المرأة الاردنية وحقوقها. 
بشكل عام فإن الارث الذي ستتركه الحكومة لخليفتها سيكون ثقيلا وخاصة في الجانب الاقتصادي، كما ان حزمة التشريعات السياسية لم يتم اختبارها على ارض الواقع بعد، وستكون الانتخابات القادمة بكل انواعها اختبارا جادا لمعرفة الاثر الحقيقي لهذه التشريعات. وعلى الحكومة التي ستخلف حكومة الدكتور عبدالله النسور ان تتعامل مع عدم رضا شعبي فيما يخص المجال الاقتصادي وهو برأيي أحد أهم عوامل تقييم اداء اي حكومة.

القائمة النسبية المفتوحة.. ماذا تعني؟



قانون الانتخاب الجديد يعتمد على نظام انتخابي أساسه القائمة النسبية المفتوحة. وهي تجربة جديدة أردنيا، على الرغم من وجودها في العديد من الدول الأخرى؛ فهذا النظام ليس بالغريب أو الجديد في عالم الانتخابات. ويقول مؤيدو هذا النوع من الأنظمة الانتخابية إنه الأكثر عدالة من حيث التمثيل والاختيار. فما هو هذا النظام الذي ستجرى بموجبه انتخابات مجلس النواب المقبلة؟ 
باختصار، فإن الترشح للانتخابات المقبلة لن يكون فرديا، إذ من يريد الترشح عليه أن يكون ضمن قائمة لا يقل عدد المرشحين فيها عن ثلاثة ولا يزيد على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية التي ستترشح فيها القائمة. فمثلا، لو كان للدائرة خمسة مقاعد، فإن العدد الأعلى للمرشحين داخل القائمة الواحدة هو خمسة أشخاص. ونحن هنا نتحدث عن مقاعد التنافس.
فيما يتعلق بطريقة الاقتراع، فإن بإمكان الناخب التصويت للقائمة فقط، وبإمكانه أيضا التصويت لاسم أو أكثر داخل القائمة، كما بإمكانه وضع إشارة بجانب اسم القائمة واسم أو اسماء المرشحين من هذه القائمة الذين يرغب في التصويت لهم. وسيكون لكل قائمة اسم وشعار يميزانها عن غيرها من القوائم. 
ما لا يستطيع الناخب فعله هو أن يصوت لأكثر من قائمة، أو أن يصوت لقائمة معينة ومن ثم يصوت لمرشحين في قائمة أخرى، أو أن يصوت لمرشحين من قوائم متعددة. وأي سيناريو من هذه السيناريوهات يعني أن ورقة الاقتراع ستكون باطلة لن يؤخذ بها. 
تحصل القائمة على عدد مقاعد مساو لنسبة ما حصلت عليه من إجمالي أصوات المقترعين الصحيحة. فعلى سبيل المثال، لو كان لدينا دائرة فيها عشرة مقاعد، وكان عدد الأصوات الصحيحة مائة ألف صوت، وحصلت إحدى القوائم على ما مجموعه عشرون ألف صوت، فإن هذا يعني حصولها على 20 % من مجموع الأصوات، وهو ما يساوي مقعدين من المقاعد العشرة. طبعا هذا مثال بسيط، والحسابات على أرض الواقع قد تكون أكثر تعقيدا، وسيكون هناك نسب مجزوءة وكسور، ولذلك اعتمد القانون نظاما يسمى نظام الباقي الأعلى لاحتساب المقاعد، وهو ما سأعود إليه في مقال منفصل.
أما من يحصل على المقاعد من مرشحي القائمة فهم المرشحون أصحاب أعلى الأصوات داخل القائمة. وبالتالي، فإن الناخبين هنا هم من يحددون من سيفوز بالمقاعد من خلال التصويت للمرشحين داخل القائمة. وهنا يكمن الفرق بين القائمة المفتوحة والقائمة المغلقة. فالأخيرة تأتي بأسماء المرشحين مرتبة سلفا، ويفوز بالمقاعد المرشحون حسب ترتيبهم في القائمة، كما كانت الحال في القائمة الوطنية في انتخابات العام 2013. 
بقي أن نتحدث عن الأثر السياسي للقائمة النسبية المفتوحة، والذي يتمثل (على الأقل نظريا) في تشجيع المرشحين على التحالف فيما بينهم للحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات، وبالتالي الحصول على فرص أكبر للفوز بالمقاعد. وهذا الأمر في حال تحققه، سيؤدي إلى تكوين كتل سياسية مستقبلية، سيكون لها دور في دفع العمل البرلماني إلى الأمام اعتمادا على الجماعية، وبعيدا عن الفردية.

اضربوهم حيث ثقفتموهم

مرة أخرى أكد الأردنيون بكل مكوناتهم أنهم في خندق واحد مع الدولة والجيش والأمن، لمحاربة التطرف والإرهاب. فهذه كانت محصلة الغالبية الساحقة من ردود الأفعال على العملية الأمنية التي نفذتها قواتنا الباسلة في إربد مساء الثلاثاء الماضي. وهي ردود أفعال غير مستغربة على الإطلاق؛ فالأردنيون قد يختلفون في مسائل عدة، لكنهم بالتأكيد لا يمكن أن يختلفوا على أمن الوطن. 
نعرف تماما أن الخطر لن يأتينا من خارج الحدود، حيث تقف قوات جيشنا العربي حارسا أمينا، وتتعامل باقتدار واحترافية مع أي خطر أو محاولة بائسة لاختراق حدودنا. ونعرف تماما أن أجهزتنا الأمنية تملك من الكفاءة والحرفية ما يجعلها قادرة على حفظ أمننا وأمن الوطن. لكننا نعرف أيضا أن هناك من يحاول دائما بث أفكاره المتطرفة المسمومة في عقول أبنائنا من خلال منصات إعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بل إن بعضا من مروجي هذه الأفكار لم يتورع عن زيارة الأردن والحديث علانية عن أفكاره في منابر شبه رسمية، وهي أفكار خطيرة حتى وإن تم تغليفها بعبارات منمقة تعطي انطباعا بأن قائلها شخص معتدل. 
إن المروجين لهذه الأفكار يحاولون استغلال ظروف الناس الاقتصادية لجذبهم نحو أجنداتهم القاتلة، ويبنون استراتيجياتهم الشيطانية مستندين إلى ما يسود في المجتمع من بعض المفاهيم المغلوطة والمتخلفة، ويتحصنون ببعض ما يرد في مناهجنا للأسف فيفسرونه بما يتوافق مع أهوائهم ويقنعون البعض به ليوقعوه في شباكهم. ولأن المنهج التعليمي لا يبني لدى طلبتنا القدرة على التحليل العلمي السليم، فإنهم قد يقعون ضحايا التأثير العاطفي الذي يمارسه هؤلاء عليهم. 
إننا في الوقت الذي نشدّ به على أيدي الأجهزة الأمنية لضرب هذه الخلايا والتنظيمات من دون هوادة أو رحمة، فإننا أيضا يجب أن ننبه إلى أن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في المناهج التعليمية والتربوية. ولا بد كذلك من الاستمرار في النهج الإصلاحي في مناحي الحياة العامة كافة، بما يضمن للناس حق التعبير عن آرائهم واحتياجاتهم ضمن منظومات سلمية علنية تمثل مصالحهم، فهذا أحد طرق الوقاية من لجوء البعض إلى تنظيمات سرية تخدعهم بأنها الأقدر على الاستجابة لحاجاتهم ومصالحهم. 
عبر التاريخ، أثبت الأردنيون أنهم مخلصون لبلدهم وحريصون على أمنه وسلمه الاجتماعي. وفي الوقت الذي تسود فيه الاضطرابات والكوارث في دول الجوار، فإن الأردن تمكن من المحافظة على أمنه وسلمه المجتمعي بفضل العلاقة المميزة التي تشكلت عبر التاريخ بين النظام والشعب ومؤسسات الدولة من جهة، وبين مكونات الشعب بعضها ببعض من جهة أخرى. ولذلك، لا بد أن نحمي ما نملك، وأن نحرص على عدم إعطاء الفرصة لمن يبحث عن ثغرة يمكنه من خلالها أن يعيث في مجتمعنا فسادا لا سمح الله؛ وذلك من خلال تعظيم قيم الحرية والديمقراطية، والتكاتف أكثر وأكثر بين الناس ومؤسسات الدولة. 
ورسالة أخيرة إلى نشامى الأجهزة الأمنية، فحواها: اضربوهم حيث ثقفتموهم.

المسيحيون والشركس والشيشان والبدو

لا أخفي أنني من مؤيدي قانون الانتخاب الجديد بالمجمل، وبالتحديد الجزء الخاص بالنظام الانتخابي القائم على مبدأ القوائم النسبية المفتوحة، وكذلك مبدأ توسيع الدوائر الانتخابية. وأرى أن في هذين المبدأين مؤشرات لنتائج إيجابية، قد لا تظهر مباشرة، لكنها ستظهر لاحقا في الدورات الانتخابية التي ستلي الدورة المقبلة.
إلا أنني وجدت أنه لا بد من التوقف أمام نقطة مهمة في القانون، وهي المتعلقة بالمقاعد المخصصة للمسيحيين والشركس والشيشان والبدو. إذ نص القانون على تخصيص مقاعد لهم في عدد من الدوائر، مع الإبقاء على دوائر البدو الثلاث مغلقة انتخابا وترشحا. وهو ما أراه انتقاصا من مبدأ المواطنة الذي يجب أن يتمتع به المواطن الأردني بغض النظر عن جنسه وعرقه، كما نص عليه الدستور صراحة. 
المشكلة أن أي مواطن من إخواننا المسيحيين والشيشان والشركس والبدو لن يحق له الترشح إلا على المقاعد المخصصة له، بمعنى أنه تم وبشكل استباقي حصر أعداد النواب من هذه المكونات المحترمة بهذه المقاعد، من دون أن يكون لهم فرصة في المنافسة على المقاعد الأخرى؛ أي إن تمثيلهم سينحصر في "الكوتا" المخصصة لهم فقط. 
إن فكرة "الكوتا"، باختصار، هي أن يكون هناك ضمان لحد أدنى لتمثيل مكون مجتمعي ما، بحيث يضمن هذا المكون تواجد ممثلين عنه في المجلس، حتى لو لم يحقق المرشحون الذين ينتمون لهذا المكون عددا كافيا من الأصوات تؤهلهم للفوز بمقعد تنافسي. أي، ببساطة، إذا لم يفز أي مرشح من هذه المكونات، فإن هناك "كوتا" تضمن تمثيلهم. لكن ما يحدث أن "الكوتا" في هذه الحالة وضعت حدا أعلى لتمثيل هذه المكونات، ما يتناقض مع الفكرة الأساسية للكوتا. فعلى سبيل المثال، إن تحدثنا عن "الكوتا النسائية"، فإننا نجد أن هناك حدا أدنى مضمونا للتمثيل النسائي، هو اثنا عشر مقعدا. لكن إن حدث أن فازت مرشحة خارج إطار هذه المقاعد، فإن التمثيل النسائي سيرتفع، وهذا هو التطبيق الصحيح لفكرة "الكوتا".
كما أن تحديد ممثلي هذه المكونات في المقاعد المخصصة لهم سيكون له أثر سلبي على القوائم التي يخوضون الانتخابات من خلالها، خاصة إذا ما حصلت القائمة على مقعد، وكان المرشح الأعلى أصواتا في هذه القائمة من هذه المكونات؛ إذ إن المقعد سيكون حكما أحد مقاعد "الكوتا"، وستخسر هذه القائمة مقعدها التنافسي الذي فازت به. 
أما ما يتعلق بعشائر البادية تحديدا، فإنه من غير المنطق حرمان المواطنين الذين ينتمون إلى هذه العشائر من حقهم الدستوري في الترشح والانتخاب في الدوائر التي يسكنون فيها إن رغبوا في ذلك، وحصرهم في دوائر البادية الثلاث ينتقص من هذا الحق بشكل واضح. 
ما تزال هناك فرصة لتعديل قانون الانتخاب في مجلس الأعيان. وأتمنى أن يتم ذلك بما يحقق مبادئ المواطنة والمساواة لهذه المكونات، بحيث يعطيهم الحق في الترشح والانتخاب في الدوائر التي يسكنون فيها أو في دوائرهم الأصلية، إضافة إلى منحهم الحق في شغل المقاعد التي يمكن أن يفوزوا بها تنافسيا.

قانون الانتخاب لا يكفي!

سنسلم بأن قانون الانتخاب الجديد يشكل خطوة للأمام على طريق الإصلاح السياسي، رغم أنه كان بالإمكان أفضل مما كان في مشروع القانون الذي يناقشه النواب حاليا. ورغم عديد الملاحظات، يظل القانون الجديد أفضل من قانون "الصوت الواحد"، خاصة مع تغيير شكل الدوائر لتصبح المحافظة دائرة انتخابية.
وحتى لو افترضنا أن القانون الجديد سيتطور إلى شكل أفضل، فإن قانون الانتخاب وحده لن يكون كافيا للوصول إلى مراحل سياسية متقدمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى مجلس نواب تقوده الكتل، وحكومة برلمانية، وتواجد فعال للأحزاب والقوى السياسية تحت القبة.
فالإصلاح السياسي منظومة متكاملة. ولا يمكن التعامل مع هذه المنظومة من خلال عامل واحد، وأعني قانون الانتخاب. وإذا أردنا فعلا الوصول إلى الأهداف المرجوة المذكورة أعلاه، فإن علينا القيام بخطوات حقيقية وجذرية فيما يتعلق بمجموعة من العوامل، منها على سبيل المثال، النظام الداخلي لمجلس النواب، ونظام تمويل الأحزاب، وزرع ثقافة العمل السياسي في المجتمع.
إذ مهما كانت مخرجات النظام الانتخابي، فإن تشكيل كتل حقيقية وفاعلة في مجلس النواب يحتاج إلى ضوابط واضحة ومثبتة في النظام الداخلي للمجلس، بحيث يكون صوت الكتلة وقرارها ملزمين لأعضائها، وهو ما من شأنه القضاء على ظاهرة الكتل الهلامية المبنية على المصالح الشخصية من جهة، وإعطاء وزن حقيقي لعمل الكتل من جهة أخرى.
نظام تمويل الأحزاب يجب أن يربط الدعم المالي المقدم من الدولة للحزب، بمجموعة من الشروط؛ منها المشاركة في الانتخابات، ووجود ممثلين للحزب في مجلس النواب، وذلك بدلا من النظام الحالي الذي يدعم الحزب بمبلغ مالي مقطوع من دون الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بينها من حيث المشاركة السياسية وغيرها.
أخيرا، فإنه من غير المعقول أن نتوقع تغييرا كبيرا في سلوك المواطن الانتخابي من دون أن نعمل على تغيير ثقافته السياسية وتشجيعه على الانخراط في العمل العام. ولا يعقل أن نتوقع وصول الأحزاب إلى البرلمان وأعضاؤها تعتريهم مخاوف أمنية واجتماعية. 
في المحصلة، قانون الانتخاب وحده لن يكون كافيا لإحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية، إلا إذا تم تعزيزه بعوامل أخرى تشريعية ومجتمعية. وبغير ذلك، فإن مخرجات العملية الانتخابية لن تكون مختلفة عما سبقها، وسنظل نراوح في المكان نفسه.

أخلاق "فيسبوكية"

من حقنا أن نتساءل عما يحصل للكثيرين عندما يدخلون عالم "فيسبوك" أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تنهار منظومة الأخلاق لديهم بسهولة وسرعة غريبتين! إذ في الوقت الذي تجد بعضهم يتفنن في الإساءة للآخرين من خلف الشاشة، فإنك تستغرب أشد الاستغراب إذا ما شاءت الصدف والتقيته وجها لوجه؛ لتجده شخصا يتعامل معك بسلوك طبيعي بعيد عن الوقاحة وقلة الأدب!
هل تتحدد معايير الأخلاق باختلاف المكان والزمان لدى نفس الشخص؟ هل غياب الرادع المباشر يجعل من الإساءة للآخرين أمرا يمكن ارتكابه بكل سهولة، ومن دون أدنى إحساس بالمسؤولية؟ كيف ينقلب البعض إلى أشخاص آخرين بمجرد أن يصبحوا متصلين على الشبكة؛ فيبيحون لأنفسهم التطاول على الآخر وتجاوز حدود اللياقة بكل بساطة؟ هل منظومة الأخلاق منظومة وهمية وضعيفة، تنهار عند أول فرصة يجد فيها البعض أنفسهم بعيدين عن الرقابة؟
كثيرة هي العوامل التي تجعل من سلكونا طيبا ومحترما. فالبعض يعتبر حسن الخلق واجبا دينيا، وآخرون يعتبرونه جزءا أساسيا من التربية، وبعض آخر يرونه في إطار العلاقات والعادات الاجتماعية، في حين يرى البعض أن الأخلاق معيار مجرد يجب الالتزام به. في المحصلة، ومهما اختلفت وجهات النظر، فإن كل ما تم ذكره يجب أن يؤدي إلى نتيجة واحدة، تتلخص في حسن الخلق واحترام النفس واحترام الآخرين.
استسهال الإساءة للآخرين وتوجيه الشتائم لهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ظاهرة جديرة بالدراسة؛ فمن غير المنطقي أو المعقول أو المألوف أن يقوم أحدهم بشتم آخر لمجرد أن رأيه لم يعجبه. إذ الأصل إذا لم يعجبك رأي أحدهم أن تقوم بالاختلاف معه حول رأيه، وأن تطرح وجهة نظرك المخالفة، أو أن تتجاهله بكل بساطة. أما أن تسارع إلى الشتم والإساءة في سلوك لا يمكن وصفه إلا أنه جبن وقلة أدب، فهو أمر غريب وشاذ. والأغرب أن هذا الشخص الذي يكيل الشتائم للآخر في العالم الافتراضي لا يجرؤ على تكرار الفعل في الحياة الواقعية.
الغريب العجيب أن مواقع التواصل الاجتماعي تعج بآلاف الصفحات وملايين "البوستات" التي تتحدث عن الأخلاق وتنتقد تراجعها وانحسارها في المجتمع. وبالفعل، إنه تناقض عجيب وسخرية مُرة عندما تجد أحدهم وقد وشح صفحته بعبارة منقولة عن الأخلاق، ثم تجده وقد مارس عكسها تماما خلال دقائق.
بالتأكيد لا يمكن التعميم. لكن الظاهرة مقلقة وتحتاج إلى دراسة من مختصين، لاسيما وأننا نتجه رويدا رويدا إلى عالم تختلط فيه سلوكياتنا "الفيسبوكية" مع سلوكياتنا الحقيقية، وإذا فقدنا المعيار الأخلاقي في العالم الافتراضي، فإننا بالتأكيد سنفقده قريبا في العالم الواقعي، ولكم أن تتخيلوا أين ستنتهي بنا الحال لو حدث مثل هذا الأمر.

وزير تحت 25 عاما

لماذا لا يكون لدينا وزراء شباب؟ سؤال يتردد هذه الأيام على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بعد انتشار تغريدات لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، يطلب فيها ترشيح طلبة جامعيين لتعيينهم برتبة وزراء. 
وللإجابة عن هذا السؤال، فإن علينا أن نستوعب جملة من المعيقات والتحديات التي تقف حجر عثرة أمام تولي الشباب لمواقع المسؤولية في بلدنا. ولعل أول هذه التحديات يتمثل في الخلل الموجود في المنظومة التعليمية على مستوى المناهج والنهج التعليمي المتبع. فمنظومتنا التعليمية، للأسف، تحتاج إصلاحات هيكلية جذرية، لتتمكن من إفراز قيادات شبابية قادرة على المبادرة والإبداع وتولي المسؤولية، بدلا من تخريج أفواج من الشباب الذين تعودوا أسلوب التلقين.
وعلى الرغم من امتلاك الشباب في أيامنا هذه للكثير من الأدوات التي تتيح لهم فرصة الاطلاع على مختلف الأفكار والثقافات والأيديولوجيات، إلا أن عدم امتلاكهم لأدوات التحليل العلمية نتيجة غيابها عن النهج التعليمي، يجعل الفائدة التي يحصلون عليها من الانفتاح على العالم محدودة للغاية. وهو الأمر الذي يفسر عدم قدرة العديد من الشباب على تطوير أنفسهم بما يمكنهم من تبوؤ مناصب قيادية. 
العائق الثاني تشريعي بامتياز؛ إذ تشترط  بعض القوانين تجاوز سن معينة للوصول إلى منصب قيادي عام. فمثلا، يشترط قانون الانتخاب أن يتم الشخص ثلاثين عاما قبل السماح له بالترشح والوصول إلى القبة. وأرى شخصيا أن هذا الشرط يتناقض مع الدستور الذي ينص على أن الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات. وبالتالي، فإن حرمان الشباب من الفئة العمرية بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين من حقهم في الترشح، هو انتقاص من حقوقهم المكفولة دستوريا. إضافة إلى ذلك، فإننا نجد أنفسنا أمام تناقض في هذا القانون الذي يعطي الحق لمن أتم الثامنة عشرة في أن يصوت، ويمنعه من الترشح، أي إن القانون يثق به كناخب ولا يثق به كنائب. 
وبالانتقال من السياسة إلى المجتمع، فإننا نجد أنفسنا أمام عقبة كبيرة تتمثل في الموروث المجتمعي الذي يقدس التراتبية السنية داخل العائلة أو العشيرة؛ فتكون السلطة على الأغلب للأكبر سناً، حتى لو كان الأصغر أكثر كفاءة ومقدرة على تولي زمام الأمور. هذا الموروث ينعكس على مجالات الحياة كافة، ويحرم الشباب من فرصة ممارسة أدوار قيادية، فقط لأنهم أصغر عمرا. 
تحد آخر لا يمكننا إهماله، يتمثل في سيطرة القيادات المتقدمة في السن على المناصب القيادية، ووقوفهم أمام وصول الشباب إلى هذه المناصب. وبنظرة بسيطة إلى العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فإننا سنرى هذه الحقيقة بوضوح. إذ على سبيل المثال، أغلب قيادات الأحزاب السياسية هي قيادات كبيرة في السن، وتشغل مناصبها منذ سنوات عدة، إن لم يكن منذ عقود عدة. 
الأردن بلد فتي، يشكل الشباب الجزء الأكبر من سكانه، ولهم الحق الكامل في دخول الحياة العامة واحتلال مناصب قيادة على أساس الكفاءة والاستحقاق. ودعونا لا ننسى أن جلالة الراحل الحسين تولى قيادة هذا البلد عندما كان شابا في الثامنة عشرة من العمر. وكذلك فإن جلالة الملك عبدالله الثاني أطلق عليه لقب الملك الشاب عندما تولى الحكم.